عرض مشاركة واحدة
قديم 12-22-2020, 06:11 PM   #45

افتراضي

ولكنه اشترط عليهم شرطًا صارمًا.. أن يسكنوا في أي أرضٍ من أراضي الدولة
العثمانية شاءوا.. عدا أرض واحدة محرَّم عليهم دخولها والسكن فيها.. أرض
فلسطين.
ثم توقف الشيطان "ماستيم" لوهلة في السماء.. وأدار وجهه ناظرًا إلى مشهد
أثار اهتمامه.. كان ينظر إلى شيطان آخر اقتحم أجواء الدولة العثمانية وتحديدًا
في اسطنبول عاصمة الخلافة الإسلامية.. ذلك الشيطان كان مألوفًا.. إنه
"سيربنت" الأفعى الغاوية.. يبدو أن دور بلاد العرب قد أتى.. وحان أوان إسقاطها..
كان "سيربنت" يخترق الأجواء متجها إلى قصر السلطان "سليمان القانوني"
نفسه.. ودخل "سيربنت" إلى القصر.. دخل إلى التوب كابي العثماني.. ولم ينتظر
الشيطان اليهودي "ماستيم" ثانية أخرى.. لقد دخل وراءه.
دخل "ماستيم" إلى القصر العثماني بسرعة ليفاجئه مشهدٌ غريبٌ.. كانت
السلطانة "ماه دوران" زوجة الخليفة تتعارك بالأيدي عراكًا عنيفًا جدًّا مع جارية
تدعى "روكسلانا".. كانت "روكسلانا" هذه فاتنة تبدو وكأنها الفتنة مجسدة في
أنثى.. وكان يبدو أنها تخسر هذا العراك.. فقد أدمت السلطانة وجهها.. وتدخلت
أم الخليفة وفضت هذا العراك الحاد.. وفجأة دخل الخليفة "سليمان القانوني"
لترتمي في حضنه الفاتنة "روكسلانا" باكية شاكية مشيرة بيدها الجميلة إلى
جروح رقبتها ووجهها.. نظر السلطان بغضبٍ شديدٍ إلى السلطانة "ماه دوران"
وأصدر عليها أمرًا قاسيًا نوعا ما.. لقد نفى السلطانة "ماه دوران" إلى قصر
مانيسا.. نظر الشيطان "ماستيم" إلى الفاتنة "روكسلانا" التي كانت تمسك
بالخليفة في ذِلة ومسكنة وعيناها تبتسمان من ورائه ابتسامة ساخرة لم
يلحظها أحد.. ابتسامة تحكي الكثير.
نظر الشيطان "ماستيم" إلى الأفعى "سيربنت" الذي كان في تلك اللحظة فاتحًا
فكيه في توحُّش ساخر تجيده الأفاعي.. ومن نظرة شيطان إلى شيطان فهم
"ماستيم" كل شيء.. لقد كانت الجارية الفاتنة "روكسلانا" ساحرة يهودية

أخذت كجارية من جزيرة القرم وأهداها تتار القرم إلى السلطان "سليمان
القانوني".. ومن نظرة أخرى إلى الأفعى "سيربنت" عرف "ماستيم" أن أخذها
كجارية لم يكن صدفة بل كانت مُرسلة في مهمة محددة.. محاولة التأثير على
أقوى سلطان عثماني بالسحر.. حانت من "ماستيم" نظرة إلى الخليفة السلطان
"سليمان القانوني".. كان هذا هو السلطان العثماني الذي اتسعت في عهده
الدولة العثمانية إلى أقصى اتساع لها.. قويًّا كان.. عظيمًّا.. يستحيل إغواؤه أو
التأثير عليه.. فلم يجد اليهود خيرًا من السحر.. ولم يختاروا ساحرًا عجوزًا بل
أحسنوا الاختيار كعادتهم.. "روكسلانا" أكثر الساحرات التي عرفهن التاريخ
فتنة وجمالًا.. ساحرة كانت تنام بين أحضان الخليفة معظم الليالي السبع في
الأسبوع.
ضم الشيطان "ماستيم" قبضتيه الاثنتين وأسند عليهما ذقنه.. وبدأ يشاهد وعلى
قناعه ملامح ساخرة.. "روكسلانا" سحرت قلب الخليفة بجمالها قبل أن تسحره
بتعاويذها.. وطلبت منه الزواج.. ورغم أن هذا كان ممنوعًا أن يتزوج الخليفة
جاريته إلا أن السلطان "سليمان القانوني" ولأول مرة تزوج جاريته وكسر
القاعدة.. لم يكن السلطان يملك أن يرفض.. فنحن نتحدث عن سحر الهوى
والغرام والمحبة وهذا من أشد أنواع السحر.. كانت "روكسلانا" تقيم في قصر
الحريم أو الحرملك.. ولم تكن تحب ذلك.. فصحا الجميع ذات يوم على حريق
هدم أحد جدران الحرملك وأصبحت الحريم تجري و"روكسلانا" تهرع إلى حضن
السلطان وتختبىء وترجوه أن ينقلها لتعيش معه في القصر.. وبالفعل نقلها
ولكن وضعها في جناح مستقل مجاور لجناحه.. فلم يعجبها هذا.. فأمرت ببناء
باب بين جناحها وجناح السلطان فاندمج الجناح والجناح ليصبحا جناحًا واحدًا..
وبهذا أصبحت هي والخليفة لا يفترقان أغلب اليوم.. ولقد أحبت ذلك.. وكانت
راضية.. وسعيدة.

ثم أصبح السلطان "سليمان القانوني" يقوم بأمور عجيبة جدًّا لا يقوم بها من له
تاريخ كتاريخه.. ففجأة أمر السلطان بإعدام مفتي الدولة "إبراهيم باشا" وصديق
صباه.. والإعدام في الدولة العثمانية كان يتم خنقًا بخيط من حرير أحمر.. نظر
"ماستيم" إلى الأفعى "سيربنت" نظرة متسائلة.. فأشار "سيربنت" إلى
"روكسلانا".. كانت مكيدة دبرتها.. مكيدة شككت السلطان في صديق صباه
المفتي الأعظم.. فعلت ذلك لأن هذا المفتي كان يؤيد أن يتولى الخلافة بعد
"سليمان القانوني" ابنه المجاهد العظيم "مصطفى".. ولم تكن تحب ذلك.. كانت
تريد الخلافة لابنها هي من السلطان.. ابنها الخامل المعتوه "سليم".
طار الشيطان "ماستيم" ليلقي نظرة على "سليم" هذا.. فوجده في أحضان
"راشيل" جارية يهودية إسبانية أهدتها "روكسلانا" إليه.. كان كثير السكر لا
يخرج من مخدعه مع جاريته أبدًا إلا إذا استدعاه السلطان "سليمان".. ظهر على
قناع "ماستيم" بعض السخرية.. ثم طار عائدًا إلى الساحرة.. إلى "روكسلانا".
إن "سليمان القانوني" مُصر على أن يتولى "مصطفى" ابنه الحكم من بعده..
لكنها لم تكن تحب ذلك.. وفي ذات يوم كان "مصطفى" في بلاد فارس. .
وهانحن نراه يدخل في خيمة يفترض أن يقابل فيها أبوه الخليفة.. وفور أن دخل
"مصطفى" إلى الخيمة هجم عليه خمسة رجال ملثمين لا ترى من وجوههم
سوى عيون عابسة.. كانوا يخنقونه بخيط من حرير.. وبينما هو يقاوم بكل ما
وهبه الله من قوة وعنفوان إذ به يرى والده الخليفة "سليمان القانوني" يقف أمام
المشهد ناظرا في صرامة.. إنه يشهد إعدام ولده.. فلذة كبده.. لقد التفت عليه
الأفعى حتى لم تترك في روحه مكانا لأي شيء سوى السحر.. السحر الأسود..
أقنعته الفاتنة "روكسلانا" والمفتي الذي وضعته هي بنفسها بدلا من المفتي
المقتول.. أقنعاه أن "مصطفى" ولده يدبر مكيدة للانقالب عليه وأخذ الحكم
منه.. وبالنسبة لـ "سليمان القانوني" كان هذا يعني الخيانة.. وصرامته في تنفيذ
القانون التي استقى منها اسمه لم تدع له مجالًا للتفكير في مشاعر الأبوّة..

وهاهو "مصطفى" ينهار بين أيدي الملثمين وتخور قواه ويسقط على الأرض
جثة هامدة بلا روح.. ثم أرسلت "روكسلانا" من يقتل ابنه الرضيع في بورصة
حتى ينقطع هذا النسب تمامًا.
لم يكن الطريق خاليًا بعد للابن الخامل "سليم".. كان هناك للسلطان ابن آخر..
ابن من "روكسلانا".. ولكنه مقاتل صنديد.. المشكلة أنها لم تكن تحب ذلك..
كان اسمه "بايزيد".. كادت الساحرة لابنها مكائدها حتى جعلته يتمرد على
السلطان.. وكادت الساحرة مكائدها عند السلطان حتى جعلته يأمر باللحاق به
وإعدامه هو الآخر بتهمة الخيانة العظمى.. وكان هذا ثاني ابن للسلطان يأمر
بإعدامه.. أي سحرٍ أسود لعين هذا.. بل إن اللعنة كلها كانت تتحدث عن نفسها
لحظة الإعدام.. الأمير "بايزيد" يقف في الغابة وحوله أربعة أولاد صغار هُم
أطفاله وأحفاد السلطان.. وحولهم نفر كثير من جنود السلطان يحاصرونهم
في غِل .. قتلوا "بايزيد" ثم قتلوا أولاده بدم بارد.. قتلوهم وهم يعرفون تمامًا أن
السلطان سيسعد بهذا وسيكافئهم على قتل ابنه الخائن.. ولأحفاده الذين لا ذنب
لهم.. تحول قناع "ماستيم" من طور الابتسامة الساخرة إلى طور الضحكة
الساخرة المتشفية.. وطار عائدًا إلى الساحرة "روكسلانا" مرة أخرى.
الآن فقط صار الطريق إلى كرسي الخلافة خاليًا.. ولم يعد من أولاد السلطان حيًّا
سوى "سليم" الذي استحق عن جدارة لقب التنبل.. ظلَّ "ماستيم" يطير حوالي
الساحرة اليهودية "روكسلانا" حتى ماتت بين أحضان السلطان "سليمان
القانوني".. ماتت بعد أن أنجزت مهمتها على أكمل وجه ممكن.. ثم مات
سليمات القانوني".. وصعد ابنه التنبل "سليم" إلى العرش. . لم يتغير شيء من
حال "سليم".. ظلَّ سكيرًا عربيدًا.. كان "ماستيم" سعيدًا.. ليس بسبب غباء
الخليفة الجديد ولكن بسبب ذكاء زوجته.. "راشيل" تلك الجارية اليهودية
الإسبانية التي كان لا يغادر مخدعها ولا زال.. لقد مشت على خطى معلمتها
"روكسلانا" وأصبحت تدير زوجها.. بل تدير الدولة العثمانية كاملة.. كانت هي





  رد مع اقتباس