عرض مشاركة واحدة
قديم 12-22-2020, 06:23 PM   #48

افتراضي

بعد مرور سنوات طوال، هرع "ماستيم" طائرًا إلى قصر الخلافة العثمانية الجديد
المدعو قصر يلديز.. ودخل إلى حيث العرش.. وشهد هناك مشهدًا تاريخيًّا..
الخليفة العثماني "عبد الحميد الثاني" واقفًا وجها لوجه مع زعيم ومؤسس
الحركة الصهيونية "تيودور هرتزل".. كان "هرتزل يقول له:
- سيدي إن نحن حصلنا على فلسطين سندفع للدولة العثمانية الكثير..
نعلم أن الخلافة في أزمة مالية شديدة بعد الحروب العديدة.. نحن
سنسوي لكم أوضاعكم المالية بدون قروض.. فقط نحن نريد
فلسطين مِلكًا لنا.
- لماذا تريدون فلسطين بالذات؟ إن بإمكانكم الاستقرار في أي
مقاطعة عثمانية تشاءون.
- إن فلسطين يا سيدي هي المهد الأول لليهود.
- فلسطين لا تعتبر مهدًا لليهود فقط.. بل هي مهد لكافة الأديان.
- لكننا أول من سكنها أيها السلطان .
- كذبت.. سبقكم الفينيقيون والكنعانيون وغيرهم كثير.
- لكننا كنا أطول الأمم حُكمًا لها.
- بل حكمتموها أربعمئة سنة وحكمها المسلمون ثلاثة أضعاف
مدتكم.. حكمناها ألف ومئتي سنة ولازلنا نحكمها وسنزال.
- أنتم تؤمنون بالتوراة ياسيدي.. وفيها وعد صريح لنا بالأرض المقدسة
- توراتكم ليست التوراة التي نؤمن بها.. وحتى في توراتكم المحرفة
قلتم إن الله وعدها المصلحين من عباده.. وأنتم لم تصلحوا سوى
ثمانين سنة زمان الأنبياء.. وأفسدتم في بقية الأربعمئة سنة كلها.
- لسنا في جدل تاريخي يا سيدي.. إننا اليوم أتينا نمد لكم يد العون.. نرد
لكم الجميل.. فقد استقبلتمونا في أراضيكم لما طردتنا الأمم.. ونحن
نملك المال.. وأنتم في أمسّ الحاجة إليه.. وكل ما نطلبه أرض بسيطة
لن نعدو خارجها.. سنهاجر لها من الأرض كلها ونسكن بها..

أراضيكم لا حدود لها يا سيدي.. ولن نزاحمكم فيها.. فبدلًا من أن
نعيش متفرقين بين تلك الأرض وتلك.. اجمعونا في أرض واحدة.
- ومن أنا حتى أبيعك فلسطين.. هل تظنها مِلكًا لي؟ أبيع فيها وأشتري
متى أشاء؟ إنما هي ملك للأمة الإسلامية العظيمة.. فيها معرج سيدي
محمد إلى السماء فكان قاب قوسين أو أدنى.. وإليها كانت قبلتنا..
اذهب إلى الشعب المسلم فردًا فردًا وائتني به شاهدًا لك ونصيرًا..
وسأبيعك إياها.
- سنأخذ على عاتقنا تنظيم الأوضاع المالية.. وسنقيم لكم في أوروبا
سدًّا منيعًا ضد آسيا.. وسنبني حضارة ضد التخلف.
- لقد قاتل أسلافي من أجل هذه الأرض ورووها بدمائهم الغالية..
فلتحتفظوا بملايينكم.. إذا مزقت دولتي يمكنك عندها أن تأخذ
فلسطين بلا مقابل.. لكني لا أوافق على تشريح جثتي وأنا على قيد
الحياة.. ولئن استمريتم في حماقتكم هذه لأطردن منها كل يهودي
ولأنفينكم إلى حيث تنهش الأمم في لحومكم.
تحول قناع "ماستيم" المرعب إلى ملامح غاضبة.. ولكن "هرتزل" أعطى السلطان
ابتسامة على الطراز الصهيوني.. وسلم عليه وخرج مهزومًا.. لقد حاول إغراء
السلطان بالمال.. لكنه عرف معدن "عبد الحميد الثاني" جيدًا.. ليس له إلا حل واحد
نطقه بنفسه.. لن يعبر اليهود إلى فلسطين إلا على أشلائه.. وخرج "هرتزل" من
القصر العثماني وطار "ماستيم" فوقه لا يفارقه.
منذ سنوات من هذه الواقعة كان "هرتزل" يلقي خطبته المريبة في مجتمع
حكماء صهيون.. وكانت خطته أن يدور الأفعى" سيربنت حول أوروبا فتسقط
كل الملكيات فيها ثم تهبط أخيرًا في أرض العرب لتسقط الدولة العثمانية..
بعد مؤتمر صهيون هذا نجح الأفعى في إسقاط النظام القيصري الروسي
بالثورة الروسية التي أودت بالبلاد إلى حكم شيوعي يهودي.. وها هي الأفعى

"سيربنت" قد هبطت في أرض العرب.. وقد قال "هرتزل" في مؤتمر صهيون إن
المنظمة الماسونية هي أداة يجب أن يستخدمها أبناء صهيون في خدمة خطة
اليهود في كل زمان ومكان.. طار "ماستيم" وراء "هرتزل" إلى بلد تدعى
سلاونيكا في اليونان العثمانية آنذاك.. وهناك فهم "ماستيم" كل شيء.
رغم أن اليهود الذين ادعو الإسلام أتباع "ساباتاي" كانوا قد انتشروا في أنحاء
الدولة العثمانية كلها إلا أن أكبر تجمع لهم كان في سلاونيكا اليونانية
العثمانية.. وهناك نشط محفل ماسوني إيطالي وبدأ يجمع يهود الدونمة الذين
وصلوا إلى مراكز قيادية في الدولة.. وخاصة العسكرية.. جمعهم كلهم
وكون بهم جمعية اسمها جمعية الاتحاد والترقي.. وجعل تنظيم الجمعية يماثل
التنظيم المتبع في المحافل الماسونية عادة.. وكان للجمعية هدف أساسي
واحد.. إسقاط السلطان "عبد الحميد الثاني" بأي ثمن.. وشمرت الآلة الإعلامية
اليهودية المعروفة عن سواعدها.. وشمر "ماستيم" عن سواعده وبدت يداه لأول
مرة.. كان يملك أصابع طويلة وأظافر أطول.. وسواعد تبدو من شدة هزلها
وكأنها عظمية وبدأ اليهود في عملهم الذي يجيدونه جيدًا منذ بداية الزمان.
كان يبدو وكأن الدنيا كلها انقلبت فوق رأس السلطان "عبد الحميد الثاني"..
مارسوا اللعبة المعتادة.. تهيج الشعب على الملك بأخبار زائفة وأحداث مفتعلة
تبدو وكأنها من صنعه وليس له فيها ناقة ولا جمل.. فجأة أصبح السلطان طاغيًا
ومستبدًا ومصاص دماء.. وزرعوا في عقول الناس أن الدولة العثمانية يجب أن
تتحرر من استبداد الإسلاميين المتعنتين وتتحول إلى دولة متحضرة مثلها مثل
إنجلترا وفرنسا.. قالوا إن السلطان هو عدو للتحضر وأنه يلقي المثقفين من نافذة
قصره.. وأنه يرفض الموافقة على العمل بدستور متحضر يماثل دستور الدول
المتحضرة ويتمسك بدستور قديم عفى عليه الزمن.. وكل هذا بدعم خرافي من
الصحافة ودعم أسطوري من أصحاب المال اليهود.. وانضم للاتحاد والترقي
كبار رجال الجيش العثماني. . بل إن وزير المالية في الدولة العثمانية كان





  رد مع اقتباس