عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2020, 10:40 AM   #51

افتراضي

دماء على أرض الميعاد..
1500 بعد الميلاد – 1948 بعد الميلاد



سابحًا في بحر أفكارهم كان.. يغوص فيها ويجول.. يمسك بعض أفكارهم
في يده ذات الأظفار الطويلة.. وينظر إليها من وراء قناعه الأبيض المخيف..
ويبتسم.. ويطمئن.. كنت تراه عن بعد فلا تدري من هو.. وكيف يسبح في بحر
أفكارهم هكذا.. ثم لم تلبث أن عرفته.. كان هذا هو الشيطان المريد اليهودي
"ماستيم".. كان يسبح في بحر أفكار مذهب مسيحي جديد.. مذهب ظهر في
أوروبا فجأة بعد أن طُرِد اليهود منها.. كان "ماستيم" يسبح في بحر أفكار
أصحاب المذهب البروتستانتي.
" اليهود هم أبناء الله وخاصته والمسيحيون هم الغرباء.. والغرباء لابد أن يرضوا
أن يكونوا كالكلاب التي تأكل الفتات الذي يسقط من مائدة الأسياد"
مارتن لوثر
وجد هذه الفكرة في بحر أفكارهم تتهادى.. فكرة لفتت انتباه الشيطان
اليهودي.. فكرة قالها مارتن لوثر" مبتدع المذهب البروتستانتي كله.. الرجل
القسيس الذي كره سلطة البابا شبه الإلهية.. كره بيع صكوك الغفران التي
تضمن للناس حفظًا من النار وفدادين في الجنة.. كره عدة أمور أخرى وعارضها
بعلنية وحماسة شديدة.. وفي مذهبه هذا كان يتقرب لليهود ويعارض
اضطهادهم وطردهم من البلاد ومعاملتهم على أنهم المذنبون الأبديون قاتلو
المسيح.
" دعكم من الإنجيل لأنه محرَّف.. إن الكتاب الصحيح الوحيد هو التوراة اليهودية
ولا شيء غيرها.. وبالنسبة للتلمود فال يجب علينا أن نحرقه بكل هذه القسوة"
مارتن لوثر
فكرة أخرى أمسكها بيده وصار ينظر إليها بتمعن.. فكرة وضعت التوراة
اليهودية مكان الإنجيل في هذا المذهب المسيحي الجديد.. اتهمه المسيحيون

التقليديون الكاثوليك بأنه يهودي متخفٍّ.. بعد فترة تغيرت أفكار هذا الرجل
لتنتج شيئًا غريبًا نوعًا ما.
"اليهود كائنات يجب التخلص منها فورًا.. ديدان مقززة وخبثاء وملعونون إلى
الأبد.. يجب أن نسلب منهم جميع كتبهم ونحرقها.. لابد أن نطردهم جميعًا من
بلادنا"
مارتن لوثر
نظر "ماستيم إلى الفكرة بتعجب.. ألم يكن الرجل منذ قليل محِبًّا لليهود متقرّبًا
إليهم ؟.. وبينما "ماستيم" يفكر إذا ناداه الأفعى "سيربنت" نداء فهم منه أنه
رغم أن أفكار هذا الرجل أصبحت معارضة لليهود إلا أنها كانت صهيونية في
نفس الوقت.. بدأ "ماستيم" يسبح باحثًا عن تلك الأفكار الصهيونية في بحر
العقلية البروتستانتية.. حتى وجدها مكتوبة بخط أحمر مشع وسط كل الأفكار
الأخرى.
"علينا ألا نعيق ذهاب اليهود إلى فلسطين.. بل إن علينا أن نعطيهم كل ما
يحتاجون إليه في رحلتهم تلك.. لأنه لما يقدر اليهود أن يقيموا لأنفسهم دولة
في فلسطين سينزل المسيح عيسى ليخلص العالم من الشر"
مارتن لوثر
إن هذا الفكر هو الولادة الحقيقية للصهيونية.. فقد خرج قبل أن يُولَد
"هرتزل".. بل حتى قبل أن يولد "ساباتاي زيفي".. ترك "ماستيم أفكار "مارتن
لوثر وبحث عن أفكار لمصلح بروتستانتي آخر جاء بعده ويدعى "كالفن"
"الربا ليس حراما بل هو حلال لا شيء فيه"
كالفن

هذه الفكرة ساهمت في تسهيل جميع معاملات اليهود المالية وسيطرتهم
الاقتصادية على جميع البلاد الأوروبية.. كان "كالفن" هذا يدعو بحماسٍ لأفكار
"مارتن لوثر".. وأفكاره تلك فرقت بين الكنيسة والشعب في إنجلترا مما أدى
لاشتعال النار في الثورة الإنجليزية التي شاهدناها على الشاشة مع "سيربنت" من
قبل.
ترك الشيطان" ماستيم بحر الأفكار البروتستانتية وطار خارجًا منه إلى سماء
أوروبا التي شهدت حروبًا دينية بين أتباع المذهب البروتستانتي وأتباع المذهب
القديم الكاثوليكي.. حروب دينية راح ضحيتها الكثير.. وانقسمت بلاد أوروبا
دينيًّا فصار منها ما هو كاثوليكي بحت مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.. ومنها ما
هو بروتستانتي مثل ألمانيا وإنجلترا.
نظر "ماستيم" خلال هذه الحرب إلى البروتستانت وهم يهاجرون من إنجلترا عبر
المحيط إلى أمريكا.. وظنوا أنفسهم في هجرتهم هذه كأنهم يعيدون مشهد
الخروج المقدس.. أيام خرج اليهود من مصر بعد أن استعبدهم فرعون.. فشقَّ
بهم موسى البحر وأوصلهم إلى أرض صحراء هي أرض سيناء أو أرض التيه..
أما البروتستانت فقد هربوا من اضطهادهم في أوروبا إلى أرض تيه جديدة هي
أرض أمريكا.. وقد أعجبتهم تلك الأرض وصاروا أغلبية ساحقة فيها وبالتالي
صار المذهب البروتستانتي هو المذهب الغالب في أمريكا.
لم يكن "ماستيم" يفهم ما الذي يعنيه ذلك وقتها.. كل ما أصبح يعلمه هو أن
البروتستانت هؤلاء قد صاروا أغلبية في العالم.. وأنهم موالون ومعينون
ومناصرون لعودة اليهود إلى فلسطين.. وأكبر الدول المناصرة ستكون بالتالي
هي إنجلترا وأمريكا.. لم يكن يدرك جيدًا ما الذي يعنيه هذا وهو يطير فوق
المسجد الأقصى.. لكن الزمن كان كفيلًا بإفهامه.. كان اليهود الآن قد بدأوا
يهاجرون إلى فلسطين ألفًا وراء ألف بعد أن حكمت جمعية الاتحاد والترقي
عرش الدولة العثمانية.. وهاهو "سيربنت" يزحف على بلاط مسجد قبة الصخرة





  رد مع اقتباس