عرض مشاركة واحدة
قديم 12-22-2020, 06:21 PM   #46

افتراضي

الحاكمة الفعلية.. ليس هذا فقط.. بل إن والدها اليهودي "جوزيف ناسي" كان
خليل السلطان "سليم" ومستشاره في أمور الخلافة ويقضي معه أغلب الوقت
في السكر والعربدة.. الدولة العثمانية العظيمة الواسعة صارت تحكمها امرأة
يهودية.. كذلك كان الحال في ذلك الزمن.. وكذلك كان قناع "ماستيم" منتشيًا..
وأقنعة اليهود الذين أرسلوا "روكسلانا" و"راشيل" منتشية.
توفي التنبل "سليم الثاني" وخلفه ابنه التنبل أيضًا "مراد الثالث".. كان يبدو أنها
سلالة من التنابل قد بدأت تظهر.. ظلت "راشيل" تحكم الدولة من وراء الستار..
بل إن سلطتها قد تصاعدت أكثر لأن "مراد الثالث" هذا هو ابنها الفاشل.. وبدأت
الدماء اليهودية تنخر في عظام الدولة العثمانية بإشراف الأفعى "سيربنت"
والمراقبة المتشفية للشيطان "ماستيم".. وبدأ اليهود الذين نزحوا من الأندلس
من قبل يرتعون ويلعبون في أرجاء الدولة العثمانية كما يحلو لهم.. ويرتقون
قي المناصب الهامة كما يحلو لهم.. الأخطر أنهم بدأوا ينظرون إلى الأرض
التي حُرموا منها طويلًا ولازالوا محرومين.. أرض فلسطين.. ونظر معهم
الأفعى "سيربنت" بعينيه المشقوقتين.. والشيطان اليهودي "ماستيم" بقناعه
الأبيض.
لم يُطل "ماستيم" المكوث في قصر الخلافة.. بل إنه طار فجأة إلى ساحة وسط
مدينة اسطنبول.. كان مشهدًا مهيبًا ذلك الذي يحدث هناك.. رجل موضوعة
قدماه في قالب من الطوب ومربوطة ذراعاه ورقبته إلى القالب.. ويحيط به حوالي
ألف متجمهر.. وحوله عسكر من عسكر السلطان.. رأى "ماستيم" الشيطان
الأفعى "سيربنت" يلتف حول قالب الطوب مرتفعًا برأسه مقتربًا بها من الرجل
المقيَّد.. كان ذلك المقيَّد يدعى "ساباتاي زيفي".. وكان اليوم يوم إعدامه.. وكان
يومًا مشهودًا كما هو واضح.
إن "ساباتاي زيفي" يهودي.. يتبعه ألف يهودي. . يسموه أتباعه المسيح
المخلص.. أما هو فيخاطبهم مسميًا نفسه مسميات عديدة مثل ابن الإله البكر..

أو أبوكم يسرائيل.. بل إنه يقول أنا الرب إلهكم الأعلى.. وُلد بعد فترة اضطهاد
اليهود في أوروبا.. وتربى وهو يسمع أحاديث اليهود عن قرب ظهور المسيح
المخلص الذي وعدهم به الله.. والذي سيأتيهم ليخلصهم من عذابهم ويحكم
بهم الأرض كافة.. درَس التلمود ودرَس الكابالا.. ولما أصبح يافعًا خرج في
اليهود يقول إنه المسيح المخلص.. وأنه لا قيام لهم في الأرض إلا بعد أن يدخلوا
فلسطين فاتحين.
جمع حوله العشرات ثم المئات ثم اآلالف.. وجاء عام 1666 ..ستة وستة وستة..
رقم الوحش كما يقول الإنجيل.. أعلن بين أتباعه اليهود أن الشيء الوحيد الذي
يمنعهم من دخول فلسطين هو الدولة العثمانية الغاشمة.. دولة تغلبت جينات
وزرائها العربية على الجينات اليهودية التي زرعتها "روكسلانا" في دماء
سلاطينها فأصبحوا من بعدها تنابل السلطان.. رجال كانوا يصلحون ما يفسده
السلاطين لو أفسدوا.. ويشدون على أيديهم لو أصلحوا.. يولونهم ويعزلونهم
ويدبرون شؤون البلاد.. رجال شكلوا دولة واحد قوية.. دولة لابد أن نسقطها نحن
اليهود.. فإما هذا وإما لا قيام لنا في هذه الدنيا أبدًا.. خرج "ساباتاي"في عدة
مظاهرات تطالب بإسقاط السلطان.. فما كان من السلطان إلا أن أمر بالقبض
عليه وإعدامه في الساحة العامة.. وليشهد العالمان إزهاق روحه الخائنة..
وهاهو "ساباتاي زيفي" يركع وأطراقه مثبتة إلى قالب من الطوب.. ورجال من
رجال السلطان الأشداء حوله يشمرون سواعدهم للنيل من رأسه.
وكان يبدو أن هناك مترجمًا بجواره يحدثه بحديث ما قبل أن يعدم.. طار "ماستيم"
ليستمع.. كان المترجم يقول لـ "ساباتاي" :
- لقد فقدت عقلك يا "ساباتاي".. ويبدو أن حماقتك ستودي بك إلى
الجحيم.
نظر له "ساباتاي" وقال له :

- لا جدوى لهذا الحديث الآن يا هذا.
قال المترجم بلهجة من يقول أمرًا خطيرًا:
- اسمعني جيدًا.. أنا يهودي مثلك.. ومؤمن بك وبدعوتك.. وإني أود أن
أسوق لك اليوم فكرة تُنجيك من الإعدام وتكسبك عند السلطان
هيبة.. بل وتكون لك هبة وعطية من السلطان.
ظهرت الدهشة على وجه "ساباتاي" وقال للمترجم :
- أي فكرة هذه يا بني.. هل تهزأ بي؟
قال له المترجم بسرعة :
- أن تعلن إسلامك الآن وفي التو واللحظة وأنك تائب إلى الله.. وإلى دين
المحمديين ارتاح قلبك.
- يبدو أنك تهزأ بي حقا.. هل أنت يهودي حقا يا هذا؟
- ليس هذا ما تظن أيها المسيح.. أنت ستقول هذا بلسانك وحده.. ولن
يصدق على هذا قلبك.. وستنشر دعواك سرا بين أتباعك المخلصين..
وسنكيد للسلطان حتى نسقطه.. وسنعود معك إلى فلسطين لتقيم
دولة الإله الموعودة هناك.
ضيق الأفعى "سيربنت" عينيه في سعادة أفعى.. ومثله فعل "ماستيم" في مالمح
خبث يهودي.. ومثلهما فعل "ساباتاي".. وحدث ما اقترحه المترجم اليهودي
بالحرف الواحد.. أعلن "ساباتاي زيفي" إسلامه على الملأ.. فعفى عنه السلطان..
وأعطى له عطية خمسين قطعة فضية شهريا.. خرج "ساباتاي" حرا طليقا..
وسمى نفسه "محمد افندي".. وأمر كل أتباعه أن يتحولوا إلى الإسلام كما
تحول.. ويبطنوا اليهودية كما أبطن.. وأصبح هؤلاء يعرفون في الدولة العثمانية
باسم خاص.. يهود الدونمة.. أي اليهود التائبين العائدين إلى الله.. وانتشروا في
أرجاء الدولة العثمانية ووصل بعضهم فيها إلى مناصب عالية وحساسة.

كان لكل واحد منهم اسمان.. اسم إسلامي يُظهره ويتعامل به مع الناس..
واسم يهودي يبطنه ويتعامل به مع من هم على شاكلته.. كانوا يقيمون كافة
شعائرهم اليهودية خلف أبوابهم المغلقة.. ماعدا الامتناع عن العمل يوم السبت
حتى لا يُلفتوا الانظار.. وابتدعوا فكرة الكتب الصغيرة التي يمكن إخفاؤها في
الثياب.. كتب الجيب.. حتى يسهل عليهم إخفاؤها دائمًا.. كانوا يهودا ذوي
مذهب خاص بهم لا يشاركهم فيه بقية اليهود.. شاعت بينهم الحفلات الإباحية
التي يتبادلون فيها الزوجات.. ولهم عيد يُطفئون فيه الأنوار ويقعون على
بعضهم البعض كالبهائم.. فإذا وُلِد لهم مولود من جراء هذا العيد يكون في
عقيدتهم مباركًا.. لم يكونوا يحرّمون الزنا.. وانتشر بينهم بشكل رهيب زنا
المحارم.. ينظرون إلى فلسطين على أنها أرض الميعاد.. ويستعجلون احتلالها
حتى يُعجلوا بنبوءة التوراة.. المسيح المخلص الذي سينزل إليهم ويحكم بهم
العالم من القدس.. ولحدوث هذا فهم لا ينتظرون نزوله مثل بقية اليهود وإنما
سيسعون لتعجيل نزوله باحتلال فلسطين.. حتى يتسنى له أن يحكم العالم منها..
كان هؤلاء هم بذرة لشيء شديد البشاعة ظهر في السنين التالية.. شيء عُرف
باسم كريه.. الصهيونية.
وبدأ قناع الشيطان اليهودي "ماستيم" يحمل ملامح مرعبة شديدة البشاعة.. وظل
طائرًا في الأجواء يتابع الأحداث.. تم نفي "ساباتاي زيفي" إلى ألبانيا حيث مات
هناك بالكوليرا.. ظل أتباعه يؤمنون بالفكرة رغم أن مسيحهم مات.. قالوا إنه
صعد إلى السماء وأصبح ملاكًا.. وأنه سيعود لما تقوم دولتهم الموعودة في
فلسطين.. كانوا ينظرون إلى فلسطين بنهم.. وظلت الدولة العثمانية تمنعهم
منها.. زاد عدد الواصلين منهم إلى مناصب الدولة العثمانية الحساسة.. حتى
أصبحوا قيادات في الجيش.. وهنا بدأوا يلعبون لعبة أخرى.. لعبة تدعى الاتحاد
والترقي.





  رد مع اقتباس