عرض مشاركة واحدة
قديم 12-18-2020, 10:32 AM   #14

افتراضي

الهيكل.. وجبل الهيكل كلمة يهودية تعني الحرم القدسي؛ لأن الحرم القدسي
في عُرف اليهود قائم على أنقاض هيكل سليمان.. أي أن جناح الفرسان كان
بجوار المسجد األقصى.. تمامًا كما أردت له أن يكون.
دعني أعلمك أمرًا قبل أن نسترسل في قصة الفرسان.. أنا شيطان كما لابد أنك
قد فطنت.. ومعنى أنني شيطان أي أنني أجري من ابن آدم مجرى الدم.. تأتيني
أفكاره وكأنها كتاب أفتحه على أي صفحة أشاء.. ليس هذا فقط بل إنني أعدل
على أي صفحة أريدها وأناقش ابن آدم فيها حتى تتملكه.. كان سهلًا جدًّا أن
يقتنع "هيو" بكلامي.. وسهلًا جدًّا أن يقتنع الملك "بالدوين" بكلام "هيو"..
وسهلًا جدًّا أن يقتنع ثمانية رجال بكلامٍ غريبٍ يحدثهم به "هيو".. كل هذا
سهل.. سهل لأنني "بافوميت".. سهل لأنني الشيطان.. سهل ألنني ألتف بأفكار
ابن آدم كما تلتف الحية حول صيدها.. بل أكثر من ذلك ياصديقي.. أكثر من ذلك.
لم يسجل التاريخ حالة واحدة حمى فيها فرسان الهيكل أي حاج.. بل أي إنسان
كان.. لقد أمضوا أيامهم الاولى في القدس يفعلون شيئًا آخر لا علاقة له بأي
حجاج ولا صليب ولا فرسان.. لقد أمضوا أيامهم الأولى في الحفر.. الحفر تحت
الحرم القدسي نفسه.
- أنت أيها العجوز.. لم لا تقترب لتلقي نظرة على الحفر بنفسك.. لِم
تقف على طرف الساحة هكذا.
- لا عليك منِّي.. استمر فيما تفعل.. وإن لم تجد ما وعدتك به فتعالَ
واقتلني.
- بل إنني سأشرب من دمك يا "بافوميت".. لقد بدأت أقتنع بسخف الأمر
كله.
لم أكن أستطيع الاقتراب من ذلك المكان أبدًا.. لو اقتربت منه احترقت كما تحترق
الشياطين.. ضيقت عيني العجوزتين وتذكرت أيامًا.. أيامًا في غاية المرارة.
.
كنت أقف في هذا المكان ذاته.. قبل ألفيْ عام فقط.. كانت أيامًا فقدَ فيها
معشر الجن والشياطين كل شيء.. منذ فجر الخليقة ونحن نفعل ما يحلو لنا متى
يحلو لنا.. نلعب بالبشر كأنهم النرد.. نحرّكهم كأنهم قِطع شطرنج.. نأتيهم
من بين أيديهم ومن خلفهم وعن يمينهم وعن شمائلهم ونجري فيهم كما
تجري السفن.. حتى رأينا رجلًا من الإنس ألجمنا كما تُلجم الكلاب من أحناكها..
ملك لم يأتِ مثله قبله ولا حوله ولا بعده.. رجل يسمونه "سليمان".
كنت خادمًا من مردة الجن البنائين.. وهؤلاء كان يستخدمهم الملك "سليمان"
لبناء كل ما لا يقدر على بنائه بنو الانسان.. والشيء الأساسي الذي كنا نبنيه هو
القصر.. قصر سليمان.. لم نكن نفهم كيف يحكمنا هذا الرجل بالضبط.. كيف
يكلّم الطير ويكلم النمل.. كيف يركع تحت قدميه ملوك الجن يمرغون
نواصيهم في التراب من أجله.. نحن الذين أنزلنا السحر على بني آدم.. نحن الذين
لو رآنا بنو آدم لفزعوا وماتوا من فورهم.. كيف يُفعَل بنا هذا؟ كيف نُجر على
وجوهنا كالبهائم.. كيف لإنسان واحد أن يزيحنا عن الدنيا بنظرة واحدة؟ لم يكن
سليمان ملكًا.. ولم يكن ساحرًا.. بل كان نبيا.. نبيًا دعانا فكفرنا.. فلما كفرنا
تسلط علينا فسخًرنا من أكبرنا إلى أصغرنا.
كنت أقف هناك في طرف من هذه الساحة.. مثلي مثل بقية الشياطين.. فلو
اقترب أحدنا من كرسيه احترق.. نظرت إليه وهو جالس على كرسيه العظيم..
لم يؤتَ أحد مُلكا كهذا الملك ولا كرسيًّا كهذا الكرسي.. كنت أكرهه..
أمقته.. أحقد عليه.. حاولنا بكافة الطرق الشيطانية وغير الشيطانية للنيل منه
لكنه كان يملك شيئًا لا نملكه.. لا ندري ماهو هذا الشيء لكنه كان يملكه..
وفجأة لاح لنا الامل.. الأمل في الأنتقام.. وربما ألامل في الخلاص.
لقد مرض "سليمان" فجأة.. ويبدو أن المرض الذي غزا جسده كان على مستوى
الجسد الذي غزاه.. مرض حار فيه أطباء الإنس وحكماء الجن.. حتى الطيور

أَحضرت له من أطراف ألارض أعشابًا لم تُجدِ معه أي نفع.. مرض جعل "سليمان"
عندما يجلس على كرسيه العظيم يجلس وكأنه جسد بلا روح.. كأنه ميت من
فرط الأعياء والسقم.. وكان هذا المرض يزيد كل يوم عن اليوم الذي يسبقه..
وظلَّ يزيد ويزيد حتى صار جسده هامدًا لا يقدر على شيء.. وكانت هذه هي
فرصتنا لالنتقام.
لم نكن نستطيع مجرد الاقتراب من كرسيه.. ولم نحتج إلى ذلك لأن الرجل قد
دخلت في جسده ذَرَّة واحدة من مرض فعلت به ما عجز عن فعله كل شيطان
زنيم.. وبدا واضحًا أن هذه الذَّرَّة ستقتله إن عاجلًا أم آجلًا؛ لذا اتخذ انتقامنا شكالً
آخر.. شكلًا شيطانيًا آخر.. ظللنا نعمل في ساحة الهيكل تلك وكأن شيئًا لم
يكن.. لكن أحدًا لم ينتبه إلى أننا في الحقيقة لم نكن نعمل لبناء قصر"سليمان"..
لقد كنا نحفر تحت كرسي "سليمان".
جئنا بأعظم وأمهر كتبة الجن ووجعلناهم يكتبون كتبًا أملينا عليهم فيها كل
ما كنا نعلمه للناس من السحر في الماضي.. السحر الأسود الذي تبلغ شدته أن
لو قرأت سطرًا واحدَا منه صدفة أصابك شره.. ليس هذا فقط وإنما كتبنا أيضًا
كل ما تعلمناه من "هاروت" و"ماروت" ذلك السحر الذي زاد على السحر األسود
شدة حتى أصبح يبطله.. لكنا كتبناه بطريقتنا ليستخدم في الأمور التي نريدها..
وأضفنا إلى السحرين كل ما جاء به الجن المستمع من خبر السماء مما سيحدث
على الارض.. تسألني لماذا نفعل هذا؟ وما دخل هذا بالأنتقام من سليمان؟ ها أنا
سأجيبك على الفور.
لقد جمع "سليمان" كل كتب السحر في مملكته وأحرقها بل إنه قتل كل ساحر
في عصره وحتى من اشتُبه بأنه ساحر.. وهدد بقطع رقبة كل من يستمع شيئًا
من خبر السماء من الجن ورقبة كل من يقول من الإنس أن الجن يعلمون خبر
السماء.. أحبط "سليمان" عملنا كله بسبب قدرته علينا.. وكان لابد لنا أولًا أن

نحتفظ بكل عِلمنا هذا في كتب لأن "سليمان" جاء ووضع لجنسنا قواعد تمنعنا
من الاتصال بالإنس تمامًا مهما بذلنا في ذلك من جهد.. أعني الاتصال المباشر..
لكن كان لازال بإمكاننا الدخول إلى قلوبهم وعقولهم والوسوسة فيها بما
نريد.. ولا زال بإمكاننا أن نتمثل في هيئة بشرية أو حيوانية.. لكن لم يكن بإمكاننا
أن نضرهم إذا أردنا.. ولا أن نتصل بهم ونعلّمهم فنون العلوم كما كنا نعلمهم
قبل "سليمان".. ولما قتل "سليمان" السحرة وأحرق كتب السحر الأسود منع رجال
الإنس أن يتواصلوا معنا.. ولم يبقَ على الأرض إلا سحر القرى البعيدة.. أما سحر
بني إسرائيل الأسود فقد أحرقه "سليمان" عن بكرة أبيه.
هذه الكتب لم تكن لأجلنا فأمثالنا الوجود للكتب في عالمهم.. إنما كانت هذه
الكتب لأجل الإنس.. حتى يستمر ويعيش الوصل بينهم وبيننا.. أما "سليمان" فبعد
أن يقتله مرضه ويموت.. سنوسوس لأشد الناس شرًّا أن يُخرجوا تلك الكتب..
وسنعلّمهم أن هذه كتب "سليمان".. وكيف أنه كان ساحرًا لعينًا.. وسيظلوا
يلعنوه إلى يوم الدين.. هكذا نكون قد حفظنا علومنا وانتقمنا ممن أحرقها
وأهان جنسنا.
ظللنا نحفر ونحفر وكأننا نعمل في أعمال البناء خاصتنا.. لم ينتبه "سليمان" لما
نفعل.. حتى حفرنا لعمقٍ بعيدٍ جدًا.. مسافة أسفل الكرسي لا نحترق لو دخلنا
فيها.. مرت خطتنا بسلامٍ تام.. كانت قلوبنا الشيطانية تنبض بالخوف.. فمثل
"سليمان" لا يؤمَن جانبه أبدًا.. وبنينا بنيانًا أسفل الكرسي ووضعنا الكتب كلها
فيه.. ثم ملأنا ما حفرنا بالتراب حتى اندثر تمامًا.. ومرت حكايتنا بسلام.. مرت
بسلام بعد شهر كامل من العمل الشيطاني الذي لا ينقطع.
استمر مرض "سليمان" أربعين يومًا حتى شُفي منه فجأة.. وعاد من مرضه أقوى
وأشد وأقدر وأعظم مما كان قبله.. أصبح "سليمان" يملك الريح يأمرها كيف
يشاء.. أصبح قادرا على تسخير الجن الغواص الذي كان يستخرج له اللؤلؤ

والأحجار الكريمة من قاع البحر ليزين بها مانبنيه نحن الجن البنّاء.. وأصبح قادرً ا
على نوع آخر من الجن.. جن آخرون سلسلهم كالوحوش بسلاسل عظيمة من
فرط طغيانهم.. جن أمثال "لوسيفر" العظيم الذي كان مُسلسلًا.. إنها المرة
الوحيدة التي أرى عظيمنا مهانًا بهذا الشكل.. لم نكن نفهم شيئًا.. حقًّا لم نكن
نفهم أي شيء.. مرت فترة حُكم "سليمان" علينا صعبة مريرة حتى انتهت بموته
الذي اكتشفناه بالصدفة.. وتحررنا من عبوديتنا.. وظللنا ننتظر الفئة المناسبة التي
يُمكنها أن تخرج هذه الكتب ووتستخدمها كما نريد بالضبط.. فئة انتظرناها
طويلًا جدًا.. حتى ظهرت في التاريخ فجأة فئة يهودية تحمل في مكامنها كل
بذور الشر التي كنا نبحث عنها.. وها أنا أراهم أمامي يحفرون ليصلوا إلى كتبنا..
كتب السحر األسود.
- "بافوميت" انظر هناك جدار مستوٍ هنا.. تعالَ أيها العجوز .
نظرت إليهم نظرة أخيرة بدت لهم غامضة.. ثم إنني طرت كما تطير الشياطين
مبتعدًا عنهم وعن الساحة.. بل عن عالم الإنس كله.. طرت إلى حيث أنتمي..
وتركت فرسان الهيكل يضربون الجدار المستوي بحماسٍ.. لقد أديت اليوم عملًا
عظيمًا انتظره بنو جنسنا سنينَ كنا نظنها لاتنتهي.
وجد فرسان الهيكل الكتب التي خبأتْها الشياطين منذ ألفيْ عامٍ كاملة.. لم
يفهموا معنى أن تكون هذه الكتب كنزًا.. كانوا يريدون كنزًا من الذهب واللؤلؤ
ولكن هيهات.. إن "سليمان" كان قد طلب من ربه الذي كان يدعو إليه أن يجعل
ملكه لا ينبغي لأحد من بعده.. فستفنى الأرض ويفنى التاريخ وليس لأحد من أهل
الأرض ولا أهل السماء أن تكون له قطعة معدنية واحدة كان يملكها
"سليمان".. ولن يأتي ملك يمتلك كما امتلك "سليمان".
ولهذا عجزت كل علوم الإنسان أن تعثر على أي أثر من ملك "سليمان" حتى إن
البعض اعتبره أسطورة من أساطير الأديان.. لكن الواقع أن الأسطورة الحقيقية





  رد مع اقتباس