عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2020, 12:41 PM   #26

افتراضي

نبذات عنها فيما بعد لو أسعفتني ذاكرتي.. عرش "دراكولا".. يجلس عليه شيطان آدمي
أمامه طعام وشراب أحمر يبدو وكأنه خمر.. بجانبه كان يجلس أحد النبلاء
البولنديين يأكل معه.. أمامهما الكثير من الضحايا المعلقين على الخوازيق
يتألمون.. "دراكولا" يبدو مستمتعًا جدًّا بصراخهم وكأنه يسمع ألحانًا عذبة.. أما
البولندي فوضع يده على أنفه مشمئزًا من الرائحة الكريهة لبعض الجثث التي
ماتت وتعفنت وأبقاها "دراكولا" على حالها ورائحتها.. التفت إليه "دراكولا"
وقال :
- مابك؟
- ياسيدي لا أستطيع تحمُّل رائحة العفن هذه ؟

- لابأس لابأس سأعالج الأمر.
أشار إلى جالوزته (رجاله) فهجموا على الرجل هجمة رجل واحد.. ثم أمرهم أن
يرفعوه على خازوق أطول من كل الخوازيق المعروضة.. صرخ الرجل النبيل
البولندي حتى تحول صراخه إلى بكاء لمّا وخزوه بالوتد في دبره ورفعوه وثبتوه..
نظر إليه "دراكولا" قائلًا:
- أنت آلان في الأعلى أيها الصديق العزيز حيث لن تصل إليك الروائح
الكريهة.
ثم شرب "دراكولا" من الكأس الحمراء التي أمامه والتي يتضح لك لما ترى
انسياب السائل فيها أنه ليس خمرًا.. بل هو دم.. دم طازج.. دماء ضحاياه
ممزوجة بالخمر.. شرابه المفضل.. الذي كان يحب أن يشربه على آهات المعذبين
المسلوخين أمامه كالذبائح والتي تقع على أذنه موقع زقزقة البلابل.. ويحب
الطريقة التي يسيل بها الشراب من شفتيه إلى ذقنه.. كان هذا هو "دراكوال"
كان يضع قدورًا ويطهو الناس فيها أحياء.. بل ويأمر جالوزته أن يقَطعوهم
بالسيوف وهم داخل القدور أحياء يصرخون.. المرأة الكسولة كانت يدها تقطع
وتثبَّت على خازوق مستقل لتكون عبرة لكل النساء.. بل إنه نادى ذات مرة كل
فقراء البلدة وشيوخها وأطفالها إلى وليمة عظيمة في سابقة استغرب لها
الكل.. وبعد الوليمة قتلهم كلهم.. لأنه لا فائدة تُرجى منهم.. إنما هم
يُرهقون الدولة.. ودعني أكتفي بهذا القدر من المصائب.. لأنني لو ذكرت كل
ما علِمته لملأت مجلّدًا مستقلًا.. باختصار.. لم يشهد العالم شخصية مختلة مثل
هذا من قبل ولا من بعد.. والمصيبة أن هذه الشخصية المختلة كانت أخي.
لم يمضِ وقتٌ طويل حتى كان السلطان محمد الفاتح في طريقه إلى والاكيا..
بجيش يسد الأفق.. وكنت معه جنبًا إلى جنب.. في طريقنا إلى "دراكولا".. ظلَّ
الجيش يزحف حتى وصل إلى نهر الدانوب.. وكنا نرى جنود "دراكولا" على الجهة

الأخرى من النهر.. وكعادة "محمد الفاتح" وكما علمه "محمد" النبي أرسل
مبعوثين اثنين من أفضل الرجال إلى الخصم لتسوية الأمور سلميًا.. فإما الجزية
وإما الحرب.. وهذا ما حدث مع المبعوثين. .
دخل المبعوثان المسلمان على الحاكم "دراكولا" في قلعته.. وكان قد أزال كل
الخوازيق لغرض في نفسه..
- السالم عليكم ياحاكم واالكيا.. جئتك من السلطان بكتاب يقول فيه..
أسـ..
- انزعا غطاء رأسيكما.
توقف المبعوث عن الكلام في دهشة.. قال "دراكولا" بغضبٍ:
- انزع غطاء رأسك أنت وهو.. ماهذه العمائم الطويلة السخيفة؟
- إنها تقليد عثماني أيها الحاكم.. وعظمة تقاليدنا أهم من مزاجك
المتعكر.
- لا بأس.. سأبقيه لكما.. كما تشاءان.
وأشار إلى جالوزته المجانين الذين أحاطوا بالمبعوثين في سرعة وأمسكوا
بعمائمهم في إحكام ثم قاموا بأمر شديد الغرابة والوحشية.. جاءوا بمسامير
صغيرة رفيعة... وقيدوا المبعوثين.. ودقوا المسامير في عمائم المبعوثين
لتخترق رؤوسهم وتسيل دماء رؤوسهم على أعينهم.. قال لهم دراكولا :
- هكذا ستبقى عمائمكم على رؤوسكم إلى الأبد.. اذهبوا إلى
السلطان "محمد الفاتح" وأخبروه كيف أن "دراكولا" لم ينسَ التقاليد
العثمانية.. وخاصة المتعلقة منها بإبقاء العمائم على الرؤوس.
عاد المبعوثون ودماؤهم المندهشة تسيل على وجوههم.. وحكوا ما حدث
معهم للسلطان الذي غضب غضبة لم أره قد غضبَ مثلها في حياته.. أمر
السلطان أن تتحرك سرية قوامها عشرون ألف رجلٍ لتخترق جيوش العدو.. اى ما

يساوي ثلاثة أضعاف جيش "دراكولا".. وكان قائد الجيش فارسًا شجاعًا مسلم
اسمه "حمزة".. أفضل فرسان جيش السلطان في ذلك الوقت.
وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد.. لقد انهزم جيش السلطان هزيمة نكراء
لم ينهزم مثلها من قبل.. ولم نرَ إلا "محمد الفاتح" يقف بجواده على قوائمه
الخلفية ثم ينطلق به كالسهم وانطلقنا كلنا خلفه.. بجيش قوامه عشرون ألفًا
آخرون يملؤهم الغضب وشهوة الأنتقام.
وهانحن نخترق نهر الدانوب.. يالها من عزة تلك التي كنا فيها.. يالروعة هذا
الدين.. لقد عادت إلي ذكريات قتالي في القسطنطينية.. أن تركض بجوادك بين
عشرين ألف فارس مسلم ترك الدنيا وراءه ولم يعد يرى إلا الشهادة هو أمر لن
أقدر أن أوصله إلى مخيلتك أبدًا.. أمر عظيم.. وهانحن ندخل من أبواب المدينة..
وهانحن..
شعرت بحركة غير طبيعية في مقدمة الجيش.. وكنت أنا في أوسط الجيش..
رأيت الجمع قد تباطأت سرعته وسمعت أصواتًا تبدو وكأنها نحيب في مقدمة
الجيش.. لم أفهم ما الأمر.. لماذا توقَّف الرجال؟ اخترقت الصفوف بسرعة حتى
اتضحت لي الصورة.. الصورة التي جعلت عينيَّ تتسعان حتى كادتا أن تخرجا من
مكانهما وتذهبان بعيدًا احتجاجًا على هذا الهول الذي ترونه.. وتوقف جيش
السلطان بل توقف السلطان نفسه بكل شجاعته.. انظر أمامك.. ألا ترى ما نراه؟
إنها غابة كثيفة.. بل غابتان كثيفتان.. غابة عن يميننا.. وغابة عن شمالنا.. غابتان
جذوعهما أوتاد خشبية.. أغصانهما أياد وأقدام بشرية حية وميتة.. أوراقهما
أجساد مخوزقة على الأوتاد. . أجساد خرجت منها أرواحها أو لم تخرج.. أجساد
تنظر لنا بأعينها وتقول الله أكبر.. وكان للغابتين صوت.. صوت آهات ونحيب..
وصوت يذكر الله.. إنها السرية التي أرسلها محمد الفاتح.. لقد وضعهم
الشيطان جميعًا على الخوازيق.. عشرة آلاف وتدًا عن يميننا وعشرة آلاف عن
شمالنا.

توتر الجيش.. تعالت صيحات البكاء على الأهل أحيانًا أو على الرفاق.. أو على
إخوة مسلمين أو على الأنسانية.. وقف "محمد الفاتح" مذهولًا.. وجعل يتذكر
طفولته مع "دراكولا".. ذلك الطفل الحقود الذي كان يناوشه ليل نهار.. اآلن لم
يعد طفال.. بل صار شيطانًا رجيمًا.. يناوشه أيضًا.. نظر إلى ناحيتي.. كيف
أنجبتكما بطن واحدة.. كيف رباكما أب واحد.. كيف صار أحدكما فارسًا مسلمًا
وصار الآخر ماردًا من مردة الجحيم.. نظر "محمد الفاتح" إلى جيشه.. لقد انهارت
كل جذوة حماس بداخلهم.. التفت "محمد الفاتح" لأول مرة في عمره بجواده
لجهة العودة وقال :
- ليس اليوم يوم زحفنا.. لكن بحق هذه الأرواح الطاهرة وبحق كل
قطرة دماء.. سنأتي برأس هذا الشيطان على وتد نضعه في منتصف
القسطنطينية يرميه صبيانها بالحجارة.
والتفت جيش المسلمين عائدين من حيث أتوا.. لم تكن الحرب هذه المرة مع
حاكم عادي.. لقد كانت مع "دراكولا".. الشيطان.
كان مستحيلًا في ذلك الوقت أن تفعل ما فعلت بالمسلمين وتنجو بفعلتك.. كان
"محمد الفاتح" يجهز جيشًا قوامه ستون ألف رجل.. مليء بالخيول والمدافع
والغضب.. وجعلني أنا على رأس هذا الجيش قائلًا:
- اذهب يا "رادو" وائتني برأس أخيك.. إن عرش والاكيا لم يُخلق لتعتليه
الشياطين.. إن عرش والاكيا قد خُلِق من أجلك أنت.
- سآتيك به ياسيدي قبل أن تجف دماء شهدائنا في والاكيا.
وانطلقتُ على رأس ستين ألف رجلٍ إلى والاكيا.. وفي هذه المرة سمع "دراكولا"
بخبرنا وبعددنا ففعل شيئًا عجيبًا؛ ترك عاصمة والاكيا واتخذ طريقًا إلى بوينار..
وجيشنا يطارده بغضبٍ.. العجيب أنه كان يحرق مخازن الحبوب والطعام ويسمم
الأبار في كل مدينة يدخلها ليتركنا بدون مؤونة.. فجيوش تلك الأيام كانت تزحف


على معدتها.. أي أنها كانت تعتمد في الإطعام على المدن التي تدخلها.. لكن
هذا لم يفت في رجال كان الذَكر طعامهم وشرابهم.. طاردنا "دراكولا" لمدة
طويلة جدًا.. ودخلنا في عدة معارك مع جيوشه.. فزنا باثنتين وخسرنا في ثلاث..
كان كالشيطان يهاجم في آخر الليل.. لكننا استبسلنا حتى حاصرناه تمامًا في
قلعته في بوينار.. وانطلقت أنا وورائي جميع الرجال لنحطم بحوافر جيادنا أبواب
قلعته.. ونزلت من على ظهر جوادي وأخرجت سيفي من غمده وجعلت أبحث عن
الرأس.. رأس الشيطان.
قال لي "دراكولا" وكان يقف في ساحة خارجية تتوسط قصره:
- خنت بلادك يا "رادو" وألبسوك عمتهم الطويلة الخاوية ؟
- بل عرف قلبي طريقًا تاه عنه سنين طوال.. طريق تقع في نهايته
رأسك.
ورفعت سيفي كما ترفع الفرسان سيوفها.. لأجد "دراكولا" يرمي بسيفه بعيدًا
ويفعل آخر شيء توقعته في تلك اللحظة.. قفز في بئر بمنتصف الساحة..
أسرعت إلى البئر لأنظر بداخله في غضب لأرى "دراكولا" ينظر لي بسخرية ثم
يركض هاربًا في طريق أسفل البئر.. عزمت على اللحاق به لكنني رأيت رجاله قد
أتوا في الأسفل وأوقدوا نارًا عظيمة ارتفع لهيبها إلى أعلى البئر حتى كاد أن
يلفح رأسي.. كان هذا نفقا سريًّا من أنفاقه





  رد مع اقتباس