عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2020, 06:29 PM   #29

افتراضي

ويرو - كوموكو..
1600 بعد الميلاد

مذكرة "جون سميث":
مذكرتي العزيزة.. إنه يوم جديد من أيامي الرائعة.. مغامرة جديدة من مغامراتي
التي مألت صفحاتك.. لكن مغامرة اليوم فيها شيء محبَّب إلى نفسي.. اكتشاف
عالم جديد.. فأنا اليوم أتحرك بسفينة كبيرة مع رفاقي ناحية الغرب.. إلى قارة
بِكرية.. ليس فيها دول.. ولا نزاعات.. أرض خصبة لكل من يريد أن ينشىء أي
شيء.. سمعت أن من يسكن هذه القارة هنود حمر الأجساد يرتدون الريش على
رؤوسهم.. وسمعت أنهم متوحشين ويكرهون الغرباء.. وأن الغريب القادم
إليهم سينتهي به الأمر مطبوخًا في قدرٍ من قدورهم وجماعة منهم يرقصون
حوله في وحشية وتلذذ.
ها هي اليابسة تقترب.. وسفننا المتعَبة من عبور المحيط تتمطى في إرهاق..
أشجار ونخيل وخضرة ورمال ذهبية وهواء عليل وهندي أحمر يحمل رمحا
ويجري ناحية السفينة في جنون.. يا إلهي.. رمى علينا الهندي الغاضب رمحه
رمية كأمهر رمية رام.. وانغرس رمحه في قلب "كريس" الفتى المراهق الذي
كان عقله مليء بقصص البحارة المغامرين وكان يحلم دومًا أن يكون واحدا
منهم.. لكن الرمح قد انغرس في قلبه اليوم بطريقة قضت على كل القصص
والمغامرات التي كان ينوي أن يخوضها.. قضت على كل شيء قبل أن يبدأ.. إن
هؤلاء القوم أشد توحُّشًا من نمور "أمور" المفترسة التي قابلتها في روسيا..
وكان "كريس" المسكين أول ضحية قتلوها.
هرب الهندي األحمر بسرعة.. وال ندري بصراحة هل هرب أم ذهب لينادي بقية
أقرانه الحُمر.. يبدو أن رحلتنا لن تكون سهلة أبدًا.. حطت سفننا على اليابسة..
ونزلنا منها في بطءٍ حَذِرٍ.. وبدأنا نجهز المعسكر بقلق وننقل أغراضنا من
السفينة ونحن نتلفت يمينًا ويسارًا ونتحفز عند سماع أي صوت.. وهاقد أتى الليل..
ولم نتعرض ألي هجوم ثانٍ.

مذكرة "بوكاهونتاس" :
"بوهاتان" هي مملكتي التي تضم بين أرجائها كل القرى الموالية لنا.. "ويرو-
كوموكو" هي قريتي بين تلك القرى.. "وان - سيناكا" هو أبي.. أحب الناس إلى
قلبي.. وأنا "ماتواكا" الصغيرة ابنة العشرة سنوات وأحب الناس إلى قلب أبي..
واسمي يعني "زهرة بين مجريين" لأن قريتنا كانت تقع على مجرى نهرين..
واسمي الآخر هو"أمانوتي".. وأبي هو زعيم مملكة بوهاتان كلها.. لست ابنته
الوحيدة.. فأبي له ما يقرب من الثلاثين بنتا.. نتيجة زواجه بما يقرب من الثلاثين
زوجة.. لكن من بين كل هؤلاء كنت أنا الأقرب إلى قلبه.. وكنت كذلك فقط
لأنني "بوكاهونتاس" ليس بسبب أي شيء آخر.
"بوكاهونتاس" هو أشهر أسمائي.. وهو اسم له معنى مثل كل أسمائنا..
ومعناه هو الفتاة الشقية.. وشقية يعني مرحة وروحها حلوة.. لماذا أنا الأحب
إلى قلب والدي؟ لأنه لما تزوََّج ثلاثين مرة فعل ذلك بدافع من تقاليدنا التي تحتم
على زعيم المملكة أن يتزوج فتاة من كل قرية ويُنجب منها.. فيدخل الدم
الملكي إلى القرية فيكون هذا إعلانا من القرية بالولاء للملك.. ملك مملكة
بوهاتان.. أما أمي فلم يتزوجها أبي بدافع سياسي.. بل كانت أول امرأة يتزوجها
في حياته.. وأول امرأة يحبها في حياته.. وقد كان اسمها "بوكاهونتاس" أيضًا..
وقد تزوجها قبل حتى أن يصير ملكًا على بوهاتان.. وكنت أنا أول إنجاب لأبي..
ولقد ماتت أمي لما أنجبتني.. الأمر الذي أحزن والدي حُزنًا اسودت لأجله طيات
روحه.. لكنه لم يلبث أن قرر أن يسميني "بوكاهونتاس" مثلما كانت أمي
"بوكاهونتاس".. لأكون مولِّدًا للسعادة التي ستأتي وتنتزع حزنه الأسود من ثنايا
روحه ليكون هباء تذروه الرياح.
أخبرنا "الكويكروز" أن هناك قومًا بيضا قد أتوا بسفنهم ضيوفًا على سواحل
مملكتنا.. ونصحنا الكويكروز أن نتودد إليهم أيما تودد وتلطف وأن نُريَهم كيف

يكون حسن الضيافة لدى البوهاتان.. والكويكروز كما لابد أنك تعلم هم رجال
الدين في بوهاتان.. وأصحاب الشورى.. وبالفعل لما وصل أولئك القوم بيض
الوجوه إلى سواحلنا خرجت جماعات من أفضل رجال ونساء بوهاتان لاستقبالهم
بموائد من أرقى طعام ويرو- كوموكو.. وقد فرحوا باستقبالنا أيما فرح..
وأعطونا الكثير من القطع النحاسية الثمينة.. فالنحاس في بوهاتان هو كالذهب
في سائر بلدان العالم.. حقًّا كانوا قومًا بيضا لطفاء.
مذكرة "جون سميث":
مذكرتي العزيزة.. أربعة شهور مضت علينا ونحن في هذا المكان نبني
معسكرنا ونجهز عدتنا.. ونصد هجمات عنيفة كان يشنها علينا الهنود الحمر
بين الفينة والأخرى.. حقًّا إنهم متوحشون.. ليسوا فقط متوحشين.. بل هم آكلو
لحوم بشر كما سمعت.. لقد حاولنا التودد إليهم أكثر من مرة.. وجل ما وصلنا
إليه هو تجارة أجريناها مع بعضهم ممن أتونا في سلام.. نعطيهم قِطعًا
نحاسية ويعطوننا طعامًا.. لكن مخزوننا من الطعام الذي جئنا به من إنجلترا كان
قد نفد تمامًا.. وقد نفدت منا كل القطع النحاسية التي أتينا بها.. وهؤلاء الهنود
لا يعطون شيئًا بالمجان أبدًا.. لذا قررت أن أصطحب أكثر رجالي قوة ونتوغل أكثر
في هذه القرية.. علنا نحصل على شيء يصلح للأكل.
وبينما نحن نتفقد أرجاء تلك القرية الجميلة التي لا أصدق أن سكانها بهذا
التوحش.. إذ رأينا مجموعة من هؤلاء المتوحشين أقوياء البنية يسيرون بقارب
على النهر ببطءٍ وينظرون إلينا في تحفُّز.. وبدون أن أنتظر لحظة رفعت بندقيتي
وصوبتها إليهم عازمًا على إزاحتهم عن طريقنا.. لكن أحدهم صرخ صرخة
وحشية مدوية سمعنا على إثرها حفيف أشجار كانت حولنا.. أشجار برز منها
عشرات منهم.. أُسقط في يد رجالي واستداروا هاربين.. واستدرت مع رجالي
عازما على الهرب.. فلا قدرة لدي على مواجهة كل هذه المخلوقات المفترسة

التي ترتدي الريش.. هرب رجالي ولم أقدر أنا على الهرب.. لم أتخيل أن نهايتي
ستصبح بهذه البشاعة على يد قوم حمر الوجوه يرتدون ريشا.. حاولت بكل
مهارتي أن أهرب لكنهم حاصروني من كل مكان.. فرميت سلاحي ورفعت
يدي.. وحاولت أن أتحدث معهم لكن سهما انغرز في كتفي كان أسرع من
حديثي.. ثم أظلمت الدنيا في عيني.. وسقطت على األرض.
مذكرة "بوكاهونتاس":
أربعة أشهر مرت على استضافتنا لهؤلاء القوم البيض في أرضنا.. وكان
أحدهم رجلًا شديد الوسامة ذا شعر بني.. كان في نظرنا إلهًا من الآلهة.. يحمل
في إحدى يديه سيفًا صارمًا وفي اليد الأخرى يحمل عصا الرعد.. عصا غريبة
الشكل يوجهها على من يريد أن يقتله.. فيرتفع دوي الرعد المخيف ويموت
الرجل.. كان رهيبًا هذا الرجل.. قتل بعض رجال البوهاتان بهذه الطريقة..
المشكلة أنه كان يدخل في بعض الأيام إلى بعض القرى التي أكرمت رجاله..
يدخلها دخول الصديق.. ثم يهدد زعيمها بعصا الرعد تلك حتى يعطيه ورجاله
المزيد من الطعام.. كان يفعل هذا في الأيام التي لا يزورهم فيها أحد بطعام..
نحن أهل الكرم.. لكن من المستحيل أن تطعم أكثر من مئة رجل يوميًّا لمدة
أربعة أشهر.. كانت تمضي أيام لا نزورهم فيها بطعام.. عندها يجن جنونهم
ويدور هذا الإله الوسيم بين أرجاء قرانا طلبًا للطعام.
لم يحب الكويكروز هذا أبدًا؛ لذا قرروا أن نأخذ هذا الإله ونستضيفه في ويرو-
كوموكو.. فيُحدِّثه أبي ويتفاوض معه على الكثير من الأمور.. وفي أحد الأيام
خرج عمي "أوبي- شانكا".. أصغر أخ لأبي.. وكان قوي البنية فتيًّا.. باغتهم "أوبي
–شانكا" عند النهر.. فهرب رفاق الإله الوسيم وبقى هو وحيدًا أسيرا في يد
"أوبي- شانكا" ورجاله.. كان الكويكروز يقولون إن هذا الرجل ليس إلهًا بل هو
بشري عادي وعصا الرعد التي معه هذه ماهي إلا سلاح بشري مصنوع بمهارة.

زار "أوبي- شانكا" جميع القبائل بينما ذلك الرجل الوسيم مقيد وراءه.. فعل
"أوبي- شانكا" ذلك حتى يقول لكل القبائل أن هذا الرجل ليس إلهًا.. والدليل أننا
أسرناه وقيدناه.. بل إننا ذاهبون به إلى الملك "وان- سيناكا" ليراه.. وبالطبع لم
يمسه أحد رجال البوهاتان بسوء مطلقًا سواء في عملية الأسر نفسها أو أثناء
زيارة القرى.. هكذا كانت أخلاق البوهاتان العظيمة.
مذكرة "جون سميث":
انتفضت فجأة.. رأيت أربعة هنودًا حُمرا يحيطون بي ويمسكونني بسواعد قوية
يجرونني جرًّا إلى مكان معين لا أدري ما هو.. فكرت في التملص منهم لكني
كنت داخل قريتهم المليئة بهنود حُمر آخرين ينظرون لي في فضول.. مشينا
حتى دخلوا بي إلى مبنى طويل غريب الشكل.. هناك رائحة غريبة في الجو..
وحديث بلغة متوحشة وأصوات رفيعة أسمعه كل حين.. كان يبدو أن هذا المبنى
ذو أهمية كبيرة.. هؤلاء القوم بدائيون جدًّا في مبانيهم وديكوراتهم
وملابسهم وتصرفاتهم.. وجدت نفسي أقف فجأة أمام رجل يختلف زِيّه عن بقية
أزيائهم.. وفوق رأسه عدد من الريش أكثر بكثير من البقية.. وقد دهن وجهه
بألوان غريبة.. واضح أن هذا هو الزعيم.. وواضح أنه ليس سعيدًا.. إن له ملامح لا
أظنها قد عرفت كيف تبتسم.
قال لي بصوت خشن جدًّا كلامًا خشنًا بلغة خشنة لا أدري كيف يفهمونها..
نظرت إليه بدهشة ورفعت كتفيَّ في عدم فهم.. ويبدو أنه غضب جدًا.. لكن ما
كل هؤلاء الفتيات والفتية الصغار حوله.. قال شيئًا ما بغضب للرجال المحيطين
بي.. فتحفزوا وأمسكوا بي بقسوة وأرقدوني على ظهري في منتصف هذه
الغرفة الغريبة.. ثم أخرج أحدهم سيفًا طويلًا ونظر لي بغِل .. وثبتني رفاقه بغِل
أكبر.. وقع في قلبي الخوف.. هؤلاء كما هو واضح مقبلون بعد ثوانٍ على قطع
رأسي بهذا السيف.. حاولت أن أتملص بكل قوتي لكن هيهات.. هناك ما يقرب





  رد مع اقتباس