عرض مشاركة واحدة
قديم 12-15-2020, 08:34 PM   #7

الابتسامة حديث طيب
افتراضي

في البلاد.. بعد كل هذا أعلن في النهاية تمرده على من علمه السحر.. أعلن
تمرده على "إبليس".. فالنمرود من التمرد.. وكان "زاهاك" هو أمير التمرد بلا
منازع في تاريخ األرض.
* * *
- سيدي "زاهاك".. وصل الطباخ الجديد للملك بعد أن أمرتنا أن نطرد
الطباخ الأول
- دعه يدخل.. ولينه حديثه سريعا
كان "النمرود" يناقش أمرا ما بجدية مع مستشاريه.. حتى شعر بوقع خطوات
هادئة.. رفع رأسه لينظر إلى من سيعرف بعد قليل أنه الطباخ الجديد.. لكن عيناه
اتسعتا بوضوح لاحظه كل المستشارين.. فالطباخ الجديد كان شكله يبدو مألوفا
جدا.. عجوز.. أعرج. شبه معدوم ألأسنان.. عباءة سوداء ممزقة.. وابتسامة
ساخرة زادت منظره بشاعة.
قال العجوز بصوت كالفحيح الساخر :
- أتيت ألقدم لك يا سيدي عينة مما تستطيع يداي عمله .
وتقدم العجوز مقدما للنمرود طبقا ذهبيا عليه بعض الطعام المطهو.. قال له
"النمرود" بصوت واضح القلق :
- الداعي للعينات ياهذا.. أنت مرفوض
ابتسم العجوز ابتسامة بانت فيها أسنانه المبعثرة ببشاعة وقال :
- إنني أعتذر منك ياسيدي.. ولتسمح لي أن أقبل منكبيك احتراما
وخضوعا لحضرتك.

تقدم العجوز من "النمرود" بخطوات خاضعة ذليلة حتى وضع رأسه في األرض
تحت قدميه.. ثم قام ببطء وقبل منكب النمرود الأيمن.. ثم الايسر.. ثم استأذن
وانصرف إلى حال سبيله.
- لماذا رفضته يا سيدي إن طهوه رائع جدًّا
لم يرد "النمرود" عليه.. كان شاردا.. هل يعني "لوسيفر" بهذه الحركة الاعتذار..
أم أنه يعني شيئا آخر.. قام "النمرود" من مكانه وتوجه إلى غرفته عند زوجته
ومعشوقته "سميراميس" كعادته إذا حزبه أمر.. فدهاءها يزن جبل دنباوند ذهبا
ومثله معه.. وفور أن دخل "النمرود" إلى غرفته ونظر إلى جمال "سميراميس"
وهي تصفف شعرها الذهبي البني الطويل.. حتى شعر فجأة بألم رهيب في
منكبيه يصاحبه انقباض كأن عظامه قد انطبقت على بعضها.. صرخ "النمرود"
وسقط على الأرض.. التفتت إليه "شميرام" وهرعت إليه.. لكنها توقفت مكانها
ناظرة إلى الجنون الذي بدأ يحدث أمام عينيها المتسعتين.
فمن منكبي "النمرود" العريضين خرج ثعبانان أسودان بشعان.. يلتفان حول عنقه
تارة.. ويزحفان على منكبيه تارة.. وينزلان بداخل ملابسه تارة أخرى.. ثعبانان يبدو
أنه لا ذيل لهما.. كأنهما برزا فجأة من داخل منكبيه.. وشرع الثعبانين يصدران
فحيحا مفترسا ويفتحان أنيابهما.. ولم يحدث أي رد فعل سواء من "النمرود" أو
من "شميرام".. لأن كليهما كان قد سقط مغشيًا عليه.. ولم يبق في الغرفة إلا
فحيح الثعابين.
* * *

أرسل "لوسيفر" رسالة إلى النمرود كتب فيها:
" أطعم األفواه الجائعة كل حين.. لأنها لو لم تجد شيئا تأكله فلن تجد إلا رأسك"
ومنذ ذلك الحين والنمرود قد بدأ يتخذ عادة جديدة.. أصبح يأمر زبانيته كل يوم أن
يأتوا له برأسين بشريين.. فقد تعلم أن هاتين الحيتين لا تأكلان سوى رؤوس
البشر.. ويفضل أن تكون رؤوسا صغيرة لأطفال.. لأن الحيتين ترفضان أحيانًا
رؤوس البالغين.. وبدأ زبانيته ينزلون إلى البلاد في كل يوم ليعودا له برأسين
مقطوعين.. ولم يعرف أحد لماذا يصر النمرود على هذا كل يوم.. ولماذا يقتل
كل من يتقاعس في تنفيذ هذا الأمر بالذات.. ولم يدر أحد ماتلك العباءات العجيبة
التي صار "النمرود" يرتديها.. ثم ماهذا الذي يتحرك تحت العباءة.. لم يدر أحد..
ولم يجرؤ أحد على السؤال.
حاول النمرود أن يذبح الحيتين.. وكانا كلما ذبحهما نبتا على كتفيه في الحال..
أما "سميراميس" فلم تشعر بشيء سوى بالشفقة على حال زوجها معشوقها..
وقد أتت له بالأطباء من الاقاليم كلها.. وكلما رآه طبيب عجز عن استئصال
الحيتين.. وكان كلما رآه طبيب وعرف سره قتله.
في الجانب الاخر من المدينة كان هناك رجل حداد يقال له "كاوي".. تعرف في
وجهه بأس شديد وقوة.. وتعرف في وجهه حزنا عميقا.. فقد زاره زبانية
"النمرود" منذ أيام وقطعا رأس ولديه الصغيرين أمام عينيه.. وأخذا الرأسين
وقدماها للنمرود.. كان "كاوي" الحداد مسلما.. متبعا لدين "إبراهيم".. وقد نزل
بين الناس المقهورين المظلومين المقطوعة رؤوس أوالدهم وذويهم.. نزل
بينهم وأشعل نار الثورة في قلوبهم.. وتسللت روح الثورة من قرية إلى قرية..
ومن إقليم إلى إقليم.. حتى جمع "كاوي" الحداد تحت رايته خلق كثير يملؤهم
الغضب على النمرود.
وفجأة دخل "كاوي" الحداد إلى برج بابل.. أدخله "النمرود" ظنا منه أنه مجرد حداد
أتى يستعرض ما تقدر يداه أن تصنع..
قال له "كاوي" الحداد بلهجة حازمة لم يعتدها النمرود :
- يا ملك بابل وآشور وعظيمهما.. أسلم تسلم.. وأتركك على ملكك
- وهل من إله غيري يا هذا ؟
- الله رب السماوات والارضين
- أتقول مثلم قول "إبراهيم"؟
- "إبراهيم" نبي الله ونحن بدعوته مؤمنين.. وإنا ندعوك لعبادة الله وحده
لا شريك له.. فإن أبيت قاتلناك
- هل جننتم؟ أنا "زاهاك" عظيم بابل وآشور وملك الاقاليم السبعة..
اجمعوا جموعكم إلى ثلاثة أيام وأجمع جموعي.. ولأمسحنكم
وجموعكم عن وجه الارض حتى لا يتبين لكم أحد أثرا.
وهكذا جمع "كاوي" الحداد جموعه الغاضبة لمدة ثلاثة أيام.. وجمع النمرود
جنوده.. ونزل النمرود يقود جنوده بنفسه ونزلت معه زوجته الفارسة
"سميراميس".. وكانت جموع النمرود أضعاف جموع "كاوي" الحداد.. ووقف
الجيشين أمام بعضهما. . كان كاوي وجنوده ينظرون إلى عظمة جيش النمرود
وتسليحه وتنظيمه وتجهيزه.. وينظرون إلى أنفسهم في قلتهم وأسلحتهم
المتواضعة.. نظر النمرود و"سميراميس" إلى جيش "كاوي" الحداد في سخرية..
ثم نظرا إلى بعضهما.. دخل في نفوس جنود النمرود الحماسة لتقطيع ذلك
الجيش الضعيف إربا حتى لا يُبقوا منهم شيء.. لكن عيون جنود الجيشين
توجهت فجأة إلى جهة واحدة ينظرون كلهم إلى شيء ما.. شيء آت من جهة
مشرق الشمس..
إن القوة التي بحث عنها النمرود طويلا ولم يجدها قد قررت أن تريه اليوم من
آياتها عجبا.. قوة اهلل جبار السماوات واألرض وعظيمهما.. ففجأة وبدون سابق لا يُبقوا منهم شيء.. لكن عيون جنود الجيشين
توجهت فجأة إلى جهة واحدة ينظرون كلهم إلى شيء ما.. شيء آت من جهة
مشرق الشمس..
إن القوة التي بحث عنها النمرود طويال ولم يجدها قد قررت أن تريه اليوم من
آياتها عجبا.. قوة الله جبار السماوات والارض وعظيمهما.. ففجأة وبدون سابق





  رد مع اقتباس