عرض مشاركة واحدة
قديم 12-20-2020, 12:37 PM   #25

افتراضي

- اقرأ يا "دراكولا" يا عزيزي هيَّا ورائي..(أعوذ بالله من الشيطان
الرجيم.. وهو ألد الخصام ).
ردد "دراكولا" وراءه في ملل ونطق أعجمي.. نظرت إلى وجهه.. لا أدري لماذا لا
أرتاح لهذا الفتى..
- انتبه معي هنا.. فيم يسرح عقلك الصغير.. هيَّا ردد (وإذا تولى سعى
في الارض ليفسد فيها)
من السيء أن يكون "دراكولا" أخاك.. من السيء أن ينام "دراكولا" بجانبك.. من
السيء أن..
- (ويهلك الحرث والنسل.. والله لا يحب الفساد )
ظلَّ "دراكولا" يردد الأيات والشيخ يقرأها.. واضح أن "دراكولا" يكره الشيخ..
هذا ليس غريبًا.. فأخي يكره الجميع.. يكرهني ويكره هذا المكان ويكره
القرآن. . بالإضافة إلى أن هذا المشهد جعلك ترفع حاجبيك في دهشة ثم
تخفضهما في سخرية؛ ظانًا أنني أحكي قصة كوميدية.. لا ياصديقي.. ها أنا
ذا.. "رادو" بشحمي ولحمي أجلس في هذا المسجد وهاهو أخي "دراكولا"
بشحمه ولحمه يجلس بجانبي يردد آيات القرآن والشيخ يصرخ فيه وقد بدأ كل
هذا الغباء يضايقه.
دعني أحكي لك الحكاية منذ البداية حتى يزول عنك العجب.. إن أبي كان حاكمًا
على مملكة والاكيا.. وقد أطلق عليه شعب واالكيا اسم "دراكول" وتعني
بالرومانية التنين.. هذا لأن والدي كان عضوًا مؤسِّسا في تنظيم سري مريب من
الفرسان يدعى تنظيم التنين.. وقد وضع أبي رمز التنين هذا على العملة في
والاكيا وعلى الدروع الحربية أيضًا.. فشاع بين الناس تسميته التنين.. "دراكول"
أو دراجول كما ينطقها الأهالي في والاكيا.
- سيد "دراكول" إنها رسالة من السلطان العثماني يا سيدي.

- هاقد بدأت المشاكل.. وكل ذنبنا أن والاكيا بين مطرقة العثمانيين
وسندان الهنغاريين.. يريدون الفتك ببعضهم البعض.. وفي سبيل
هذا فلتذهب والاكيا إلى الجحيم.
قرأ "دراكول" رسالة السلطان باهتمامٍ شديدٍ.. إن الدولة الإسلامية تفرض عليه
الجزية لتحميه من الهنغاريين وتشترط عليه أن يمدهم بالمقاتلين لو احتاج
الجيش المسلم إلى المقاتلين.. وتطلب منه سرعة الرد والبرهان على الولاء.. وقد
كان البرهان الذي اختاره والدي غريبًا جدًا.. لقد أرسلني أنا وأدعى "رادو" وأخي
الأكبر "دراكولا" إلى أدريانوبل أو إدرنة.. معقل السلطان العثماني المسلم.
- تعلم من أخيك "رادو".. لقد حفظ عشر سور حتى الان.. ولم تحفظ أنت
آية واحدة يا "دراكولا".
كان أقوى برهان على الولاء.. فيستحيل أن تهاجم دولة وقد أرسلت فلذات كبدك
إلى سلطانها.. وجدنا أنفسنا أنا و"دراكولا" وعمرنا لم يتجاوز الثانية عشرة غرباء
في بلاد غريبة.. ومبان غريبة.. وألبسة غريبة.. وعمائم طويلة.. ولحى.. وقصور.
كان أخي كارهًا لكل هذا السخف.. ورغم أن السلطان المسلم كان يهتم بنا
جدًّا ويعلمنا الفروسية والقتال والعلوم بكافة أنواعها وخاصة الإسالمية منها
إلا أن "دراكولا" لم يكن سعيدًا.. كان يشعر أنه مجرد أسير.. وأن هؤلاء أعداؤه
يحاولون أن يسقونه بتعاليمهم وثقافتهم التي يكرهها ولا يستسيغها.. لكن
بالنسبة لي كان الوضع مختلفًا.
- ما اسمك أيها الفتى الظريف ذو الشعر الذهبي ؟
- اسمي "رادو" وأنت؟
- أنا "محمد بن مراد" ابن السلطان.
لم أكن أعرف أنني سأعيش طفولتي مع "محمد بن مراد".. الرجل الذي عرفه
الناس بعد ذلك بسنوات بمحمد الفاتح.. الفارس العظيم الذي فتح القسطنطينية..

كنت أنا و"محمد الفاتح" صديقين عزيزين.. وكلما اشتدت صداقتي معه قوة..
اشتدت عداوتنا أنا وهو مع "دراكوال".. إن "دراكولا" و"محمد الفاتح" لم يكونا
يطيقان بعضهما منذ الصغر رغم أنه قد فُرِضَ عليهما أن يعيشا طفولتهما
معًا.. وأن يتدرّبا معًا ويتعلّما معًا.. لم يكن هذا غريبًا أبدًا.. فأحدهما كان فارسًا
حقيقيًّا وكان آلاخر شيطانًا حقيقيًّا.
- هيَّا ارمِ سهمك يا "رادو".. ارمِ سهمك .
رميت سهمي فأصاب منتصف اللوحة الدائرية.. يالبراعتي منذ صغري.. ضربت
كفي في كف "محمد الفاتح" ووقفت بجانبه سعيدًا أنني اقتربت من مهارته
الفطرية.
- دورك يا "دراكولا".. هيَّا ارمِ سهمك.
صوَّب "دراكولا" سهمه ناحية اللوحة الدائرية.. ثم حوَّل قوسه فجأة ناحيتي أنا
و"محمد الفاتح".. ونظر لنا بغِل .. واتسعت عيناي في رعب.
- ماذا تفعل يا "دراكولا".. هل جننت؟
شد "دراكولا" سهمه وقوسه مصوَّب إلينا ثم أطلقه فجأة.. لم يطلقه ناحيتي..
بل حوَّله في الثانية الأخيرة إلى اللوحة.. وأصاب سهمه منتصف الهدف بالضبط..
شعرت أنه كان يتمنى لو أن هذه اللوحة هي قلب "محمد الفاتح".. أو ربما قلبي
أنا.
ست سنوات مضت ونحن على هذه الحال.. كبرنا وأصبحنا شبابًا يافعين.. وها
نحن نتسابق ثلاثتنا على جيادنا العربية الأصيلة بكل قوة.. هل ترى كيف أصبحت
أشكالنا الان؟ لقد كان شكلي مميزًا جدًا.. كنت أمتلك شعرًا ذهبيًّا فاتحًا جدًّا..
حريريًّا طويلًا ينحدر إلى أسفل كتفيَّ لا تمتلكه أجمل فتيات إدرنه.. ووجها
وسيمًا وصوتًا رجوليًا مميَزًا.. بينما كان "دراكولا" أسود الشعر أجعده.. ينحدر
شعره إلى أسفل منكبيه أيضًا.. لكن كان له شارب كبير يقف عليه الصقر كما


يقولون وعينان حادتان كأنهما عينا الصقر الذي كان سيقف على شاربه.. "محمد
الفاتح" كان ذا لحية صغيرة مدببة وشعر بني وأنف طويل وعينين تشعان ذكاء
وفروسية.
ثم أتى الخبر الذي حرك كل هذه المشاهد البطيئة.. لقد توفى أبي "دراكول"
فجأة في و لاكيا.. مؤامرة دبرها له البويار.. وهي كلمة تطلق على طبقة النبلاء
في بلادنا والاكيا.. نزل علينا هذا الخبر ونحن في أشد فترات الدولة العثمانية
انشغالًا.. كنا على استعداد وتخطيط لفتح أكثر المدن حصانة في ذلك الوقت..
القسطنطينية.. وأنا أتحدث بكلمة (نحن) لأنني أصبحت مسلمًا.. بل فارسًا مسلمًا..
لكن "دراكولا" بقى على دينه.. أرسل السلطان محمد الفاتح "دراكولا" إلى
والاكيا ليصير حاكمًا لها خلفًا ألبيه.. ويكون كما كان أبوه تابعًا للسلطان
العثماني ومؤتمرًا بأمره.. أما أنا فقد آثرت البقاء هنا.. آثرت أن يكون لي شرف
المشاركة في الفتح الكبير لقسطنطينية.
كانت وليمة عظيمة في والاكيا.. وليمة كان المضيف فيها هو الكونت
"دراكولل".. والضيوف فيها هم أكابر البويار.. الذين أكلوا حتى ثملوا وخرج
الطعام من أنوفهم – تعبير شعبي في والاكيا – سألهم دراكولا بهدوء :
- قولوا لي أيها النبلاء العظام.. كم حاكما حكم والاكيا عبر تاريخها؟
قال بعضهم عشرة حكام.. وقال بعضهم اثنا عشر حاكمًا.. بل ثلاثة عشر
حاكمًا ربما.. قال دراكولا بثورة شيطانية فجأة :

-هذا لأنكم خونة.. تأكلون لحم الحاكم قبل أن يتم سنتين من حكمه..
كم سنة قررتم أن تمنحوني أيها البويار ؟
في اللقطة التالية كان حُرَّاس القصر يهجمون على البويار من كل صوب..
يضربون بعضهم ويقتلون آخرين بقسوة.. ولم يكن "دراكولا" يشاهد من بعيد

إنما أخرج سيفه وضرب أعناقًا صار نصله بعد ضربها يقطر حمرة.. بقي الكثير
منهم أحياء.. نظر لهم "دراكولا" بعيون متسعة غاضبة وقال :
- خذوهم إلى القلعة.. ليعملوا كتفًا إلى كتف مع الفلاحين في
تشييدها.
ثم قال بلهجة ذات مغزى:
- وليعملوا فيها من الجهة الشمالية.
الجهة الشمالية للقلعة هي الهاوية.. هاوية على ارتفاع ألف قدم.. كل من
أرسله "دراكولا" هناك من البويار ماتوا.. بعضهم مات من الجوع.. أو من
الإنهاك.. وبالطبع رماهم كلهم في الهاوية.. ثم إنه شنَّ حملة قاسية جدًّا الحق
فيها كل البويار الساكنين في مملكة والاكيا.. نساؤهم وأطفالهم
وشيوخهم.. كانت إبادة عرقية.. تعدت العروق إلى أصغر شعيرة بويار دموية
تنبض في جسد أحدهم.. وبدأت أنياب "دراكولا" في الظهور.
على الجانب الآخر كنت أنا أقاتل في القسطنطينية.. كان "محمد الفاتح" حقًّا كما
تصفه كتب التاريخ.. داهية حقيقية.. إن دهاء الفرسان يختلف عن أي دهاء آخر..
دهاء لا خبث فيه.. دهاء صاف.. كانت ملحمة تاريخية ليس بوسعي ذِكر
تفاصيلها الان.. لكننا حققنا هدفنا في النهاية.. وصارت القسطنطينية لنا.. بل
صارت عاصمة المملكة الإسلامية العظيمة.
"لتفتحن القسطنطينية.. فلنعم الأمير أميرها.. ولنعم الجيش ذلك الجيش"
قال لي الأمير الفاتح في الميدان ناظرا إلى رأسي :
- "رادو" هل تضعون الحناء على شعور الرجال في والاكيا ؟
أمسكت بشعري الذهبي في استغراب ثم ابتسمت بفهم قائلًا :


- بل كنت أضع الحناء لسيفي ياسيدي.. لكن يبدو أن بعضا منها تناثر
على رأسي.
كان رأسي مضرجا بدماء ألاعداء.. لكن رأسي لم يكن مهما.. كان المهم هو
الخبر الذي جاءنا به مرسول الدولة.. لقد أعلنت والاكيا التمرد على السلطان.. لقد
تمرد "دراكولا".. فعلها وتمرد.. لم يُرد السلطان "محمد الفاتح" أن يعكر صفو
انتصاره بهذا الخبر.. لذا فقد سكت.. وأنا أعرف الفاتح عندما يسكت عن مثل
هذا.. يبدو أن الأيام تدخر لنا معارك جديدة.. معارك مع أولي القربى.
لكن "دراكولا" كان يفعل شيئًا آخر في والاكيا.. لقد تعدى مرحلة إظهار الأنياب
وبدأ في مرحلة إخراج القرون والمخالب.. دعني آخذك إلى والاكيا لتشاهد
بنفسك..
هناك خمسة رجال يلتفون على ما يبدو أنه رجل يصرخ.. وهم يتحركون في
عنف وكأنهم يفعلون فيه أمرًا ما.. هاقد ابتعدوا عنه قليلًا وأمكنك أن ترى ما
يفعلوه.. لقد ربطوا حبلًا في يده اليمنى وحبلًا في اليسرى.. وثالثًا في قدمه
اليمنى ورابعًا في اليسرى.. وقام أضخم اثنين منهم بتثبيته وتراجع ثلاثة منهم..
هل ترى؟ إنهم يربطون أطراف الحبال في جياد.. والرجل يصرخ مستنجدًا بلغة لا
تفهمها.. ثم إنهم وجهوا رؤوس الجياد إلى الاتجاهات الأربعة التي تشير إليها
أطراف يديه ورجليه المتباعدة.. ثم إنهم وخزوا الجياد فتحركت ببطء ليرتفع
الرجل عن الارض صارخًا.. وظلت الجياد تتحرك تارة وتقف تارة والرجل يتمزق
باكيًا.. ثم إنهم ضربوا الجياد بالسياط فثارت وتحركت بعنفٍ سريعٍ.. لتتمزق
أطراف الرجل الأربعة وتجري كل منها مع جوادها.
وهاهو رجل آخر يمسكه رجالن مفتولا العضلات ويرغمانه على الركوع وهو
يصرخ.. ويأتي رجلٌ آخر ماسكًا وتدًا خشبيًّا طويلًا مسننا ويطعنه به في دبره
طعنه لا تقتل.. يحاول الرجل أن يفلت بلا جدوى.. ثم يقيدون يديه ورِجليه بطريقة
معينة إلى الوتد.. ثم يتعاون الثلاثة رجال على رفع الوتد وتثبيته في فتحة


بالأرض.. هاهو الرجل أعلى الوتد وكأنه جالس عليه.. ويُترك على هذه الحال
حتى يموت.. ليست المشكلة في الموت من الجوع والعطش.. بل المشكلة في
أن هذا الوتد ينغرز ببطءٍ شديدٍ في أحشاء الرجل ولا يقتله.. فقط يعذبه من
الألم.. ثم يموت الرجل لما يخترقه الوتد ويخرج من جسده أو لما يموت من الألم..
أو من انفجار الأحشاء.. هذا الوتد الذي رأيته الآن هو ما اصطُلح على تسميته
بالخازوق.. العقاب الذي اشتهر به "دراكولا" في كتب التاريخ.
ويبدو أن "دراكولا" قد أعجبته حكاية الخازوق هذه فأخذ يتفنن فيها تفننًا عجيبًا؛
فمرة يغرز الوتد في فم أحدهم ويعلقه على الوتد مقلوبًا.. وتارة يعلق النساء
عليه من فروجهن.. وتارة يغرزه في البطون.. وتارة يغرزه في رقبة طفل
رضيع.. لقد كان أخي مختلًّا أو ربما شيطانًا حقيقيًّا.. وبلغ من إعجابه بهذه
الطريقة إلى أن جعلها هي العقاب الرسمي ألي خطأ يُخطئه أي فرد من أفراد
الشعب.. فمن يسرق يخوزقه.. ومن يكذب يخوزقه.. ومن يضرب أحدًا يخوزق
الضارب والمضروب.. بل إنه وصل إلى مرحلة أبعد من هذا.. دعني آخذك إلى هذا
المشهد.
قلعة "دراكولا".. المكان المجهز بكافة وسائل التعذيب التي سأحكي لك





  رد مع اقتباس