عرض مشاركة واحدة
قديم 01-21-2021, 02:22 PM   #18

افتراضي



مهلا يا هذا.. أين نحن بالضبط؟ وماذا حدث لأجواء العالم؟
قال لي بهدوء:
لقد انسلخت قشور الكذب و التضليل عن العالم و أصبحت ترى حقيقة كل
شيء.. أنت في عالم الحقيقة الآن.
سألته:
و لماذا عالم الحقيقة مظلم هكذا؟

أجاب قائل:
لأنهم أظلموا الحقيقة يا صديقي و أخفوها و ضيعوها.. و أظهروا الكذب وزينوه
و حسنوه و دعوا له.. لم يعد يعرف الحقيقة إلا من يسعى إليها.. أما الذي يسترخي
و يتلقى مثلما يتلقي المتلقين من الإعلام فهو لا يصيب إلا الكذب.
كان يتهيأ للرحيل فقلت له:
من أنت بالضبط؟
نظر لي بغموض ثم انطلق إلى إحدى ثنايا هذا العالم المظلم.. نظرنا حولنا..
هل هذا عالم الحقيقة الآن؟ سمعنا أصوات معاول تضرب في الصخر بذلك
الرنين المميز للمناجم.. كانت الأصوات تأتي من قريب.. تعال لنتجه ناحيتها.. مشينا
حتى واجهنا

جبل

عظيما تحته كهف كبير وأمامه بعض المعدات.. دخلنا من
الكهف.. رجال كثر يضربون باطن الجبل بمعاولهم ليخرج لهم ما يريدونه منه..
فور دخولنا ركض ناحيتنا كثير من الأطفال الصغار.. يغشى وجوههم غبار
الفحم.. حتى تبدو عيونهم لامعة بشكل مميز..
وقفوا أمامنا صفا متجاورين يغشى
وجوههم الحزن.. قال لنا أحدهم:
هل أنتم المسعفون؟ نحن نريد مسعفين.. إن والد هذا الفتى مات.. هل
يمكنكم إعادته إلى الحياة؟
تجاهلت إجابة سؤاله البريء وقلت:
وكيف مات يا عزيزي والدك؟
قال الفتى:
اختنق.. لم نعد ندري ماذا نفعل لنوقف هذا.. يموت كثير من آبائنا في
المناجم.. الاختناق أو الانفجار.. أو الـ...


فجأة

سمعنا صوتا كأنه صوت كارثة ستحل فوق رؤوسنا.. ثم تبين لي أنه
صوت انهيار.. كان في الناحية التي يعمل فيها العمال بمعاولهم.. هرب بعضهم
لكن الباقين سحقتهم الصخور.. قال الفتى:
أو الانهيار.
ثم قال طفل آخر:
خمسة من آبائنا يموتون على الأقل كل يوم.. ولنا سنة كاملة على هذا
الحال.. هل أنت يا سيدي أتيت لتصلح هذا الوضع؟
قلت له:
خمسة رجال يموتون كل يوم منذ سنة.. ولماذا يستمرون في العمل إذا؟
قال لي رجل من ورائي:
ومن قال أننا سنستمر..
نحن سنبدأ إضرابا كبيرا.. نطالب فيه شركة
الروكيفيلر بتأمين سلامة عمالها لأننا لسنا حيوانات.
قلت له:
لكني سمعت أن الروكيفيلر هي أكثر شركة تحسن إلى عمالها و لهذا يأتيها
العمال من كل الجنسيات.
نظر لي بدهشة حقيقية وكأنني قلت
شيئا عجيبا أو أحمق و قال لي:
نحن نعمل أربع عشرة ساعة في اليوم يا عزيزي كل يوم بلا راحة ونحصل على
دولار ونصف في اليوم.. حاجاتنا العادية الأساسية لا نقدر عليها.. و لا نأخذ أجرنا


نقود .. بل نأخذه إيصالات لا يمكننا أن نستخدمها إلا في متاجر الشركة الموجودة
في مساكن الشركة.. أي أنه حتى هذه النقود القليلة لا يمكننا أن نستخدمها
خارج السكن.. يموت منا كل يوم خمسة رجال.. يزيدون أو ينقصون.. الخلاصة
أننا نعيش في حظيرة حيوانات نعمل فيها ويلقون لنا علفا فقط حتى نقوى على
العمل.
وما الذي يجبركم على البقاء يا رجل؟ فقط اذهبوا و ابحثوا عن عمل آخر.
لا يستمر معظمنا في العمل.. و بالفعل نبحث عن عمل آخر..

ولكن يأتي بدلا
ممن يغادر عمال آخرون مستجدون لا يعرفون الحقيقة، ثم يكتشفونها مع
الوقت فيغادرون..
لذلك فكرنا في أن نعمل إضرابا
شامل.. كل العمال يمتنعون
عن العمل و
نعلن جميعا أن لنا مطالب.. تأمين سلامتنا.. زيادة نقودنا.. تحديد





  رد مع اقتباس