عرض مشاركة واحدة
قديم 03-09-2008, 10:24 PM   #6

افتراضي

يومك يومكَ

إذا أصبحتَ فلا تنتظر المساءُ ، اليوم فحسْبُ ستعيشُ ،

فلا أمسُ الذي ذهب بخيرِهِ وشرِهِ ، ولا الغدُ الذي لم يأتِ إلى الآن .

اليومُ الذي أظلَّتْكَ شمسُه ، وأدركك نهارُهُ هو يومُك فحسْبُ ، عمرُك يومٌ واحدٌ ، فاجعلْ في خلدِك العيش لهذا اليومِ

وكأنك ولدت فيهِ وتموتُ فيهِ ، حينها لا تتعثرُ حياتُك بين هاجسِ الماضي وهمِّهِ وغمِّهِ ، وبين توقعِ المستقبلِ وشبحِهِ

المخيفِ وزحفِهِ المرعبِ ، لليومِ فقطْ اصرفْ تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدَّك وجدَّك ، فلهذا اليومِ لابد أن تقدم صلاةً

خاشعةً وتلاوةً بتدبرٍ واطلاعاً بتأملٍ ، وذِكْراً بحضورٍ ، واتزاناً في الأمور ، وحُسْناً في خلقِ ، ورضاً بالمقسومِ ،

واهتماماً بالمظهرِ ، واعتناءً بالجسمِ ، ونفعاً للآخرين .

لليوم هذا الذي أنت فيه فتقُسِّم ساعاتِه وتجعل من دقائقه سنواتٍ ، ومن ثوانيهِ شهوراً ، تزرعُ فيه الخيْر ،

تُسدي فيه الجميل ، تستغفرُ فيه من الذنب ، تذكرُ فيه الربَّ ، تتهيأ للرحيلِ ، تعيشُ هذا اليوم فرحاً وسروراً ،

وأمناً وسكينةً ، ترضى فيه برزقِك ، بزوجتِك، بأطفالِك بوظيفتك ، ببيتِك ، بعلمِك ، بمُسْتواك

﴿ فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ﴾ تعيشُ هذا اليوم بلا حُزْنٍ ولا انزعاجٍ ، ولا سخطٍ ولا حقدٍ ، ولا حسدٍ .

إن عليك أن تكتب على لوحِ قلبك عبارةً واحدة تجعلُها أيضاً على مكتبك تقول العبارة : (يومك يومُك).

إذا أكلت خبزاً حارّاً شهيّاً هذا اليوم فهل يضُرُّك خبزُ الأمسِ الجافِّ الرديء ، أو خبزُ غدٍ الغائبِ المنتظرِ .

إذا شربت ماءً عذباً زلالاً هذا اليوْم ، فلماذا تحزنُ من ماءِ أمس الملحِ الأجاجِ ، أو تهتمُّ لماءِ غدٍ الآسنِ الحارِّ.

إنك لو صدقت مع نفسِك بإرادةٍ فولاذيةٍ صارمةٍ عارمةٍ لأخضعتها لنظرية: (لن أعيش إلى هذا اليوْم ).

حينها تستغلُّ كلَّ لحظة في هذا اليوم في بناءِ كيانِك وتنميةِ مواهبك ، وتزكيةِ عملكُ ،

فتقول : لليوم فقطْ أُهذِّبُ ألفاظي فلا أنطقُ هُجراً أو فُحْشاً ، أو سبّاً ، أو غيبةً ،

لليوم فقطْ سوف أرتبُ بيتي ومكتبتي ، فلا ارتباكٌ ولا بعثرةٌ ، وإنما نظامٌ ورتابةٌ.

لليوم فقط سوف أعيشُ فأعتني بنظافةِ جسمي ، وتحسين مظهري والاهتمامِ بهندامي ،

والاتزانِ في مشيتي وكلامي وحركاتي.

لليوم فقطْ سأعيشُ فأجتهدُ في طاعةِ ربِّي ، وتأديةِ صلاتي على أكملِ وجهِ ،

والتزودِ بالنوافلِ ، وتعاهدِ مصحفي ، والنظرِ في كتبي ، وحفظِ فائدةٍ ، ومطالعةِ كتابٍ نافعٍ .

لليومِ فقطْ سأعيشُ فأغرسُ في قلبي الفضيلةً وأجتثُّ منه شجرة الشرِّ بغصونِها الشائكةِ

من كِبْرٍ وعُجبٍ ورياءٍ وحسدٍ وحقدٍ وغِلًّ وسوءِ ظنٍّ .

لليوم فقط سوف أعيشُ فأنفعُ الآخرين ، وأسدي الجميلَ إلى الغير ،

أعودُ مريضاً ، أشيِّعُ جنازةً ، أدُلُّ حيران ، أُطعمُ جائعاً ، أفرِّجُ عن مكروبٍ ،

أقفٌ مع مظلومٍ ، أشفعُ لضعيفٍ ، أواسي منكوباً، أكرمُ عالماً ، أرحمُ صغيراً ، أجِلُّ كبيراً .

لليوم فقط سأعيشُ ؛ فيا ماضٍ ذهب وانتهى اغربْ كشمِسك ،

فلن أبكي عليك ولن تراني أقفُ لأتذكرك لحظة ؛

لأنك تركتنا وهجرتنا وارتحلْت عنَّا ولن تعود إلينا أبد الآبدين .

ويا مستقبلُ أنْت في عالمِ الغيبِ فلنْ أتعامل مع الأحلامِ ،

ولن أبيع نفسي مع الأوهام ولن أتعجَّلَ ميلاد مفقودٍ ،

لأنَّ غداً لا شيء ؛ لأنه لم يخلق ولأنه لم يكن مذكوراً.

يومك يومُك

أيها الإنسانُ

أروعُ كلمةٍ في قاموسِ السعادةِ لمن أراد الحياة

في أبهى صورِها وأجملِ حُلِلها





  رد مع اقتباس