عرض مشاركة واحدة
قديم 12-22-2020, 06:06 PM   #44

افتراضي

في بلدك لو صرت رئيسًا لها.. سأترك المنافقين على نفاقهم حتى تحين
لحظتهم المناسبة.. لأن في ضربهم تفرقة لشعبي.. وفي تفرقة شعبي هزيمة
لبلدي.. ونصر لعدوي.
الأوراق التي تبقت قليلة.. ولدينا هذه المرة ورقة واحدة هي ورقة الأجندة
الليبرالية.. وفيها صورة رجل يبدو يهوديًّا يمسك بورقة طويلة جدًّا يقرأ فيها
بسعادة..
لقد أخبرتك في البداية أن هناك سبعة شياطين تراقبنا.. وسأسمّي لك منهم
الشياطين الذن ذكرتهم الحكايات حتى الآن.. الشيطان الأول هو "لوسيفر"..
كبير الشياطين وأنت تعرف حكايته مع "النمرود".. الثاني هو "سيربنت" الأفعى ..
شيطان الإغواء والفتن.. الثالث هو "بافوميت".. الشيطان معبود فرسان
الهيكل .. شيطان السحر وكتب العلوم الشيطانية.. الرابع هو شيطان من بني
الإنسان .. "دراكولا".. وإن روحه المعذبة الدموية تراقبنا أيضًا..
ثلاثة شياطين بقوا لم تعرفهم.. يحملون ثلاثة أسرار.. والحكاية التالية هي
حكاية عن شيطان منهم.. شيطان رجيم.. الشيطان الخامس..
* * *

فجأة أمطرت السماء جثثًا بشرية.. نظر سكان مدينة "كافا" الأوكرانية القديمة
إلى سمائهم في ذلك اليوم نظرة من الطراز الذي تنظره إلى الهول ثم تدير
رأسك وتفر هاربًا.. لقد كانت السماء تمطر جثثًا على رؤوسهم.. نظرت أنت إلى
المشهد بتمعن.. حقًّا إنها جثث تتساقط.. ولكنك ترى بين هذه الجثث كيانًا
معلّقًا في السماء.. لا تدري ما هو بالضبط.. عباءة سوداء يهز الهواء أطرافها
كما ترى في مشاهد الأساطير.. الرأس يختفي في الظلام لأن العباءة تغطي
الرأس أيضًا.. لكن الوجه واضح.. واضح باستفزاز.. الوجه كأنه قناع أبيض له
ملامح ساخرة.. كان هذا الكيان معلقًا في الهواء تتطاير من ورائه جثث تُرمَى
بسرعة هائلة فوق أسوار مدينة كافا لتمطر على السكان الذين يجرون هنا
وهناك غير فاهمين لأي شيء.
حتى تفهم هذا المشهد ينبغي أن تعرف أولًا أن مدينة كافا في هذه اللحظة
كانت تغلق أسوارها على نفسها لأن المغول كانوا خارج الأسوار يحاصرون
المدينة.. أيامها كان الطاعون الأسود قد بدأ ينتشر في آسيا.. وبدأ يصيب الجنود
المغول الذين يحاصرون مدينة كافا.. وتحول غضب المغول إلى أول حرب
بيولوجية في التاريخ.. وضعوا جثث جنودهم الميتين بالطاعون على المجانيق
وأطلقوها تباعًا لتعبر فوق أسوار مدينة كافا وتسقط وسط أهلها الذين لم
يفهموا الأمر في البداية.. ثم فهموه لمّا مات منهم عدد ضخم بالطاعون في
الأيام التالية.
إنه "ماستيم".. ذلك الكيان الأسود الساخر الذي رأيته يطير وسط الجثث.. وهاأنت
تراه مرة أخرى يطير.. ولكن في سماء أخرى.. في أوروبا هذه المرة وتحديدا
في مدينة بيزانسون الفرنسية.. لكنه هذه المرة لم يكن ساخرا.. بل كان حزينًا..
القناع الساخر الذي كان وكأنه يرتديه أصبح الآن قناعًا حزينًا.. كان يطير في
السماء ناظرًا إلى مشهدٍ ربما هو الذي أحزنه.. كان هناك نفر كثير من رجال
عراة الأقدام يلبسون ملابس من أكياس الخيش ويمسكون سياطًا يضربون بها

اليهود في الشوارع وبداخل البيوت.. يضربونهم حتى سالت الدماء من جلودهم..
وحتى فارقت أرواحهم أجسادهم.
كان حاملي السياط مسيحيين كاثوليكيين أوروبيين.. لماذا يضربون اليهود
بالسياط؟ سأخبرك.. لما هرب الناس من مدينة كافا بعد أن رماهم المغول بوابلٍ
من الجثث الطاعونية.. سكن الهاربون من المدينة في مختلف مدن أوروبا..
وحملوا معهم الطاعون إلى تلك المدن جميعها.. ولم تمضِ سنة واحدة إلا وعدد
الوفيات قد زاد عن العشرة ملايين إنسان أوروبي.. ولم تنته السنة الثانية إلا وقد
تضاعف هذا العدد ليصبح خمسة وعشرين مليون إنسانًا.. ثلث سكان أوروبا
كلهم ماتوا.. كان من أصابه الطاعون يموت.. وكل من اختلط به ولو مرة
يموت.. ومن حمله إلى القبر يموت.. كانت أيامًا رهيبة.
وفقد الناس إيمانهم بالطب وبالرب وبالكنيسة وبكل شيء.. وانتشرت إشاعة لم
يستطع أن يسيطر عليها أحد.. إشاعة تقول إن اليهود هم سبب الطاعون.. فهم
سمموا الآبار والأنهار الأوروبية كلها بسبب كرههم للمسيحيين الكاثوليك
الذين كانوا يضطهدونهم في ذلك الزمن.. وهجم الناس على اليهود هجوم
الأكلة على قصعتها.. وأول من هجم على اليهود نفر من الناس يحملون
السياط.. كان ذوي السياط هؤلاء قبل الإشاعة يمشون في الطرقات في
مسيرات أسبوعية ويضربون أنفسهم حتى تخرج دماؤهم منهم.. عل الإله
يخفف عن الناس أمر ذلك الوباء الذي قتل ثلث سكان أوروبا دفعة واحدة.. وبعد
الإشاعة.. توقف هؤلاء عن ضرب أنفسهم وهجموا على اليهود بكل القسوة
والغِل الساكن في قلوبهم.
إن "ماستيم" يحزن وجهه كلما حدث اضطهاد لليهود في أي ناحية من نواحي
الأرض.. إنه يذكر كيف كان حزينًا لما جُمع اليهود ورُبِطوا في ساحات مدينة
نوريش الإنجليزية وحُرِقوا أحياء.. كان ذلك لأن المسيحيين اتهموهم بأنهم
قاموا بالتضحية بالطفل المسيحي "ويليام" ليستخدموا دماءه في طقوس عيد

الفصح اليهودي.. وقد تكررت تلك التهمة مرات ومرات في أوروبا وفي كل
مرة يجمع اليهود فيها ويُقتَلون بدم باردٍ.
ولازال "ماستيم" يتذكر حزنه أيام الحملة الصليبية الأولى.. لما فكر المسيحيون
قليلًا وقالوا لأنفسهم.. نحن سنسافر عبر الأرض لقتال أعداء الصليب.. أليس
أولى أن نقتل أعداء الصليب الذين يعيشون بيننا.. اليهود هم قتلة المسيح
وأنصاره.. وهجموا على اليهود هجمة رجل واحد في مدينة مينز الألمانية وقتلوا
ألفًا منهم دفعة واحدة.. وظلوا يقتلون فيهم حتى بردت دماؤهم وهدأت
قلوبهم.
وبقى وجه "ماستيم" حزينًا وهو يشاهد ألمانيا تطرد اليهود ثم تبعتها إنجلترا..
ثم فرنسا وإيطاليا والنمسا وسويسرا والمجر وهولندا.. ولم يجد اليهود لهم
سكنًا في الأرض سوى في الأندلس.. التي كان المسلمون يحكمونها بالعدل..
واستقبلهم المسلمون وأكرموا وفادتهم وأعطوهم الأرض والسكن.. وحرية
ممارسة الشعائر بعد أن كانوا يمارسونها في غرفهم المغلقة خوفًا وذعرًا..
حينها كنت ترى الشيطان اليهودي "ماستيم" يطير فوق الأرض الأندلسية وعلى
وجهه مايشبه الابتسامة.. ولم تكن ساخرة هذه المرة بل كانت سعيدة.
وفجأة غزا الصليبيون الأندلس واحتلّوها.. وطار "ماستيم" هذه المرة بوجه خائفٍ
مما سيحدث لليهود.. ويبدو أن خوفه كان في محله.. فقد أجبر الصليبيون كل
سكان الأندلس المسلمين أو اليهود على التنصر أو مغادرة البلاد.. وبالنسبة لمن
تنصّروا فلم يتركهم الصليبيون في حالهم.. بل عقدت لهم حكومة إسبانيا
محاكم تدعى محاكم التفتيش.. يُعدَم فيها كل من يشتبه بأنه تنصَّر ظاهريًا
بينما هو مسلم أو يهودي في الخفاء.. وهاجر كل من رفض التنصر.. وبالنسبة
لليهود.. فلم يجدوا لهم مكانًا يؤويهم بعد هروبهم من الأندلس إلا مكانًا
واحدًا.. أراضي الدولة العثمانية الواسعة.. ومرة أخرى استقبلهم المسلمون
وأكرموهم.. أدخلهم السلطان العثماني "سليمان القانوني" وأكرم وفادتهم..





  رد مع اقتباس