عرض مشاركة واحدة
قديم 12-15-2020, 05:33 PM   #3

افتراضي

أميرالنور
يوم خلق النور. .2500 قبل الميلاد –2000 قبل الميلاد


"سأغنّي هذه الأغنية للإله
.. عندما يأتي المخلص العظيم.. وهذه الفتاة البريئة
القلقة الجميلة.. هيا تعال وحررها اآلن " أغنية بابلية قديمة بصوت عجوز ولغة
بابلية قديمة كان يغنيها.. ويحرِّك رأسه طربًا.. كان صوته رخيمًا جميلًا.. لكن
موسيقى الخلفية لم تكن متوافقة مع جمال صوته.. لقد كان يغني على صوت
أغنام تسرح في المرعى.. أغنام يهش بعصاه عليها من آنٍ لأخر.. لقد كان
سعيدًا.. ومن ذا الذي يمشي في مثل هذه الطبيعة الساحرة ولا يكون سعيدًا..
نحن في مملكة آشور القديمة قُرب مدينة بابل.. أعظم مدينة رأتها عين إنس أو
جن في التاريخ.. وهذا الراعي ذو الصوت الرخيم هو العجوز "إيشما".
"ولمّا يأتي المخلص العظيم.. ستتحررين بالتأكيد "
قبل أكثر من أربعة الاف عام.. كانت الأرض غير الأرض.. والسماء غير السماء..
كان "إيشما" يمكنه أن ينظر إلى البِركة التي يمشي بجوارها فيرى كل
أسماكها وأصدافها وكأنه ينظر إلى الطيور في السماء.. قبل أكثر من أربعة
الآف عام .. كل شيء كان طاهرا شديد النقاء.. ويبدو أن "إيشما" العجوز قد
قرر أن يستريح قليلًا.. فتوجه إلى شجرة قريبة اعتاد أن يترك عندها طعامه.. ولما
وصل إلى طعامه نظر إليه بدهشة.. لقد كان مفتوحًا.
هؤلاء اللصوص الفقراء لن يتعلموا أبدًا.. لو أنهم سألوه طعامًا لأعطاهم..
لكنهم يؤثرون السرقة.. تأبى نفوسهم مسألة الناس وترتضي سرقتهم.. لكن
"إيشما" قد استغرب جدًّا لما أعاد النظر إلى الطعام.. فبرغم أن الكيس مفتوح..
إلا أن الطعام موجود والحليب موجود.. لكن الجُبن مأكولة منه قطعًا صغيرة
جدًا.. والحليب ناقص نقصًا يسيرًا لا يُسمِن ولا يُغني من جوع.. جلس "إيشما"
وأكل وشرب واستراح في ظِل الشجرة.. ثم قرر أن ينزل ليغتسل في البركة..
وكما يفعل الرعاة الذين يستحمون في البرك في كل الممالك القديمة.. خلع
ملابسه كلها ونزل إلى الماء.


بينما "إيشما" العجوز يستحم.. كان ينظر إلى متاعه من آنٍ لآخر نظرات لا
شعورية.. وفجأة أتى سِرب من الحمام جميل المنظر وحط عند طعامه.. وأخذ
الحمام ينقرون الجبن نقرات صغيرة ويمألون مناقيرهم الصغيرة بالحليب في
مشهد غريب ثم يطيرون ويحطون في مكان غير بعيد.. ويمكثون بضع دقائق
هناك ثم يطيرون عائدين إلى طعامه.. فينقرون ويمألون مناقيرهم ثم يطيرون
إلى المكان ذاته.
خرج "إيشما" من البركة ووارتدى مالبسه البابلية القديمة.. لكنه لم يتجه إلى
متاعه.. بل اتجه إلى ذلك المكان الذي تطير إليه الحمائم بهذا الحماس الغريب..
وهناك وجد شيئًا اتسعت له عيناه العجوزتان في دهشة وانبهار؛ وجد طفلة
جميلة ابنة التسع سنوات لم ترَ عيناه بمثل جمالها.. لكن ليس هذا ما أدهشه..
ما اتسعت عيناه له انبهارًا هو أن الحمائم كانت تحيط بها وتطعمها وتسقيها
من مناقيرها لبنا.
كانت الطفلة تضحك وتحرك يديها بسعادة.. ولما اقترب منها "إيشما" ضحكت
له ضحكة نزلت لبراءتها دموعه الحانية.. وبعقلية راعٍ بابليّ قديم كان ما
يشاهده يعني شيئًا أسطوريًّا ما.. حملها "إيشما" برفقٍ ورفعها إلى السماء..
وكانت الحمائم تطير من حولهما بسعادة لم يجد لها تفسيرًا.. نظر "إيشما" إلى
عينيها الصغيرتين الجميلتين.. إنها المرة الأولى التي يرى فيها طفلة لديها هذه
الرموش الرائعة.. قرر "إيشما" أن يأخذ هذه الطفلة معه ليربيها.. وقرر أيضًا أن
يسميها اسمًا أوحاه إليه الموقف.. سمَّاها "محبوبة الحمائم".. الاسم الذي كان
لما ينطق بالبابلية القديمة يبدو مألوفًا.. كان يُنطَق بالبابلية "سميراميس".
"عندما يأتي المخلص العظيم.. وهذه الفتاة البريئة القلقة الجميلة.. هيا تعال
وحررها الان "
* * *

إنه الاحتفال العظيم في بابل.. وعندما تحتفل بابل فزِد على جمالها ألف جمال
ومتِّع ناظريك.. عندما تلتقي الجبال الخضراء والسهول وألانهار الصافية بالرخام
الأبيض وألأزرق المميز للقصور البابلية والرسومات الكبيرة التي تغطي الجدران..
عندما يلتقي كل هذا باألطفال الذين ينثرون أوراق الزعفران في الهواء والخيول
التي ترقص والبشر الذين يحتفلون في أكثر لباسهم وصروحهم أناقة في
التاريخ.. عندها تعرف أن هناك حدثًا مهمًّا جدًّا يمر عليهم.. عندما ترى الزعفران
يغطي ألارض بهذا الشكل تعرف أن هناك مولودًا جديدًا للملك "كوش" والملكة
"أوداج".. مولود ذكر.. فهذه الاحتفالات لا تقام لو كان المولود أنثى.
هاهو المولود موضوع في الهودج تحيط به الوالًدات أو المايات كما يطلقون
عليهم هنا )جمع مايا(.. وهم الذين سهروا على رعاية الأم حتى تمت الوالدة..
اقترب أكثر من الهودج وألقِ نظرة على هذا الصغير.. ستسمع أثناء اقترابك
الكثير من الكلمات على طراز "يالروعة هاتين العينين" أو "إنه أروع طفل رأته
عيناي".. هذا يحفزك أكثر للنظر إلى الطفل.. هاهو أمامك.. الجمال مجسَّد في
رأسٍ صغيرٍ وعينين حادتين.. لكن هناك مشهدًا آخر سيقلقك.. فمثلما تحيط
بهذا الطفل الولَّادات ذوات الأيادي الناعمات وأوراق الزعفران المتناثرة في
الهواء.. فأنت ترى أشياء أخرى تحيط به.. ليست أشياء في الواقع.. بل كانت
شياطين.. نعم شياطين.. كانوا يبتسمون بشيطانية تجيدها كل الشياطين..
وكانوا يتلون شيئًا ما.. برغم كل الحقائب المطرزة يدويًّا والمليئة بالودع األزرق
والثوم والموضوعة حول الهودج في كل مكان لطرد األرواح الشريرة.. وبرغم
أن المايات وضعن أصابعهن في الزعفران وبصموا به على جبهة الملكة "أوداج"
لحفظ الطفل من الشياطين.
وفجأة سكت الجميع وتكلم الشيخ الكبير أو الموهيل كما يلقبونه في بابل.. قال
الشيخ :





  رد مع اقتباس