عرض مشاركة واحدة
قديم 12-15-2020, 07:35 PM   #6

افتراضي

إنها الحرب على مملكة "بكتيريا".. لقد بدأ عصر الحروب فور جلوس "النمرود"
على العرش.. ورغم أن المستشار الأعلى "أونس" كان عريسًا جديدًا إلا أن طبول
الحرب لما دقت انتزعته من سريره انتزاعًا.. ولم تنتزعه وحده.. بل انتزعت زوجته
معه.. الفارسة "سميراميس".. والتي كانت قد أظهرت فروسية وذكاء لا
يملكهما أعتى الفرسان.. نزلت "سميراميس" إلى الحرب مع زوجها جنبًا إلى
جنب.. والحقيقة أن مظهرهما كان عجيبًا كعروسين.. كانت "سميراميس" قائدة
كتيبة عسكرية كاملة.. فائقة الجمال.. جمال من الطراز الذي يذعن له الأخرون
رغمًا عنهم.. لها عينان ساطعتان بالرغم من كثافة رموشهما.. عينان يشع
منهما وهج عبقرية قائد يستطيع أن يأمر جيشًا ويؤسس إمبراطورية.
أظهرت "شميرام" في تلك الحرب دهاءً عسكريًّا فاق كل الحدود.. دهاءً أسقط
وحده مملكة "بكتيريا" الحصينة.. ووصل الخبر إلى الملك "النمرود" الذي دُهِشَ
دهشة حقيقية من أن تفعل فتاة واحدة كل هذا.. فاستدعاها لمكافأتها..
وكان أول لقاء بين الملك النمرود وبين "سميراميس".
كان الملك "النمرود" جالسًا على عرشه يُعنِّف مستشاريه كعادته.. وكان منهم
المستشار "أونس".. وفجأة دخلت "سميراميس".. بكل جمالها وثقتها وقوتها
دخلت.. رافعة رأسها راسمة على ملامحها تعبيرًا عسكريًّا صارمًا بدا عجيبًا على
ملامحها الجميلة.. وفور أن رأت "زاهاك" شعرت بخفقة في قلبها.. ساءلت
قلبها عن تلك الخفقة.. أتُراك خفقت ألنك رأيت الملك األعظم للبالد ألول مرة..
لكنها رفضت هذا.. فهي ليست من الطراز الذي يهتز لرؤية أحد.. في نفس
الوقت كان "زاهاك" يحدِّث أحد مستشاريه بعصبية.. ثم لما شعر بحضور شخص
ما التفت إليه بحدة.. وعندما رآها قام من على عرشه.. وكان يسائل نفسه أثناء
قيامه.. لِمَ يقوم ؟.. إنه ليس من الطراز الذي يقوم لحضور أحدٍ.. التقت عيناهما
لقاءً حجبَ عن مجال رؤيتهما أي كيانات أخرى سواهما.
31
اقتحمت المجال نظرات أخرى آتية من شخص آخر يرى المشهد.. نظرات غاضبة
موجَّهة من "أونس".. زوجها.. الذي لم تسره تلك النظرات التي عجز الطرفان
عن إخفائها.. ثم اقتحمت المجال نظرات أخرى ترى المشهد بعين شيطان..
نظرات "لوسيفر".
* * *
لم يمضِ وقتٌ طويلٌ إلا وكان يمكنك أن ترى المستشار "أونس" وهو يسقط
صارخًا من فوق قلعة النمرود.. بينما يقف النمرود فوق القلعة ناظرًا إليه
بسخرية.. ثم أمكنك أن ترى النمرود يتزوج من "سميراميس" زواجًا اهتزت له
أرجاء المملكة البابلية اهتزازًا لم تهز قبله مثله ولا بعده.. حتى استمرت
الاحتفالات ثالثة أيام متواصلة.. ووُزعت الكثير من الكابرا )حقائب الهدايا(
المليئة بالملبس والحلويات البابلية الأخرى.. واجتمع الشمس والقمر كما تقول
الأساطير.. الشمس هو إله الشمس النمرود والقمر هي "سميراميس".
زادت قوة مملكة النمرود بعد انضمام "سميراميس" بكل دهائها إليه.. انضم
الدهاء العسكري إلى القسوة والطغيان إلى سطوة السحر.. وظلت ممكلة
النمرود تغزو الممالك التي تجاورها حتى أصبح النمرود ملك الأقاليم السبعة..
ولم يكتف بذلك.. بل تطلع إلى مزيد من السلطان.. أراد أن يغزو السماء.. فجمع
ستمئة ألف رجلٍ من كافة ممالكه السبعة وأمرهم أن يبنوا بُرجًا شاهقًا لا يصعد
المرء إلى قمّته إلا بعد مسيرة عام كامل.. برج يتجاوز السحاب ارتفاعًا.. وبالفعل
بدأ العمال والمهندسون وحتى الجن في بناء ذلك البرج العظيم.. ولم تمضِ عدة
سنوات إلا وتم بناء أول عجيبة من عجائب الدنيا السبع.. برج بابل.. ذلك البرج الذي
كان قصر النمرود وعرشه على الأرض.
* * *

كان النمرود نائمًا في أحضان الجميلة "سميراميس" التي كانت تمسح بيدها على
شعره في حنانٍ لم تعهده في نفسها.. لكن النمرود وقتها كان في شأنٍ آخر..
كان يرى حُلمًا عجيبًا.. تراءى له مابدا وكأنه فارسٌ على صهوة جواده يطير في
السماء عند الافق.. ورأى نفسه يطير في السماء مواجهًا لذلك الفارس.. أعاد
النظر مرة أخرى إلى السماء فرأى الفارس قد اختفى وحلَّ محله كوكب متألق..
نظر إلى الموضع المواجه للفارس والذي رأى نفسه فيه.. فلم يجد نفسه بل وجد
الشمس.. ثم اختفت الشمس فجأة من السماء وبقي ذلك الكوكب المتألق.. أعاد
النظر مرة أخرى فرأى الفارس في موضع الكوكب المتألق يغير اتجاهه الأول
ويقترب بسرعة رهيبة من الأرض هاجمًا بفرسه على النمرود نفسه ففزع وصحا
من نومه صارخًا فجأة لتقابله عينا "سميراميس" الجميلتين القلقتين ويداها
الحانيتين على جبينه.
أحضرت "سميراميس" للنمرود أعلم أهل بابل ليفسروا له ذلك الحُلم.. وكانوا
خائفين من التصريح بالتأويل الحقيقي لذلك الحُلم.. ثم حسموا أمرهم في
النهاية وأخبروه.. قالوا له إن هناك مولودًا سيولد على هذه ألأرض عمَّا قريب..
وأنَّ هلاكًا سيكون على يديه.
ثار النمرود ثورة رهيبة.. وأمر بقتل كل المواليد في جميع الأقاليم السبعة.. ونزل
جنوده يقتحمون البيوت ويقتلون األطفال. في تلك األيام بالضبط وُلِدَ نبي الله
"إبراهيم".. وأخفته أمه من جنود النمرود.. حتى كبر وصار شابًا.. وكان شعب
بابل يعبدون الكواكب ويصنعون لها أصنامًا يتضرعون إليها.. ومن تلك
الكواكب الشمس والقمر؛ فالشمس هي المعبود األعلى وهو الملك النمرود
والقمر هو المعبود التابع وهي "سميراميس".. أما "النمرود" فقد كان ولاؤه
للشيطان وحده.
كان قد فسق في تلك الأيام وفجر وتجبَّر وحكم الناس بالحديد والنار.. بدأ
"إبراهيم" يدعو الناس ليعبدوا إلهًا واحدًا.. ويحاول إقناعهم أن أصنامهم تلك لا

هي بضارة ولا نافعة.. وحدثت القصة الشهيرة في عيد الربيع.. ذلك العيد الذي
حطَّم "إبراهيم" فيه أصنام بابل المصطفة في معبد "أور" وعلق فأسه على صنم
شديد الضخامة منهم يدعى "مردوخ".. ولما عاد القوم من عيدهم وجدوا كل
أصنام آلهتهم قد تحطمت ماعدا واحد.. وذلك الواحد هو "مردوخ" العظيم..
الذي كان يقف في رأس المعبد بشموخ ويحمل فأسًا على كتفه.
ضجَّ القوم وتذكروا كراهية "إبراهيم"ل لصنامهم فاستدعوه وسألوه فأجابهم
الجواب الشهير..
- بل فعله كبيرهم هذا.. فاسألوه إن كان ينطق.
ثارالقوم وأوصلوا الخبر إلى إلههم الملك النمرود.. وكانت المواجهة الشهيرة
بين النمرود و"إبراهيم".
- من هو ذلك الله الذي تعبده يا "إبراهيم"؟
- إنه اإلله الذي يُحيي ويميت .
- أنا أحيي وأميت.. أضرب عنق سجين لدي فأميِتُه وأترك الآخر فيعيش.
- إلهي يُخرج الشمس من المشرق.. فأخرجها أنت من المغرب.
فبُهت "النمرود" ولم يدرِ ما يقول.. وأمر بقتل إبراهيم قتلًا يكافىء جريمته في
حق الآلهة.. أمر بأن توقد نار هي أعظم نار أوقدت على ظهر األرض وأن يُلقَى
فيها "إبراهيم".. وظل أهل بابل يجمعون الحطب لإيقاد تلك النار شهرًا كاملًا..
ولما أوقدوها نارًا عظيمة أصبح نورها يُرَى من آخر المدينة.. ثم ألقوا "إبراهيم"
فيها بالمنجنيق.. وتركوها أيامًا ولياليَ حتى انطفأت.. فهرعوا إليها ليجمعوا
رماد الرجل الذي تجرأ على الآلهة.. فوجدوه واقفًا هنالك وليس به خدش واحد..
غضب النمرود غضبًا شديدًا.. لكنه غضبٌ مكتومٌ هذه المرة.. غضب موجه ناحية
حليفه الذي وعده بالقوة والملك.. غضب على "لوسيفر".
* * *

كان الشيء التالي الذي فعله النمرود هو أعجب شيء يمكن أن يقوم به بشريٌّ..
وربما استحق لقب النمرود بسبب فعله لهذا الشيء وحده؛ ذهب النمرود إلى جبل
دنباوند وتحديدًا إلى ذلك الغار الذي كان يتردد عليه بين الفينة واألخرى ليتعلم
السحر.. غار "لوسيفر"..
- أين كانت تلك القوة المطلقة التي تدعي.. كيف لنار مستعرة ألاتحرق
إنسيًّا من لحمٍ ودمٍ؟
- ألنه شيطان مثلي.
- حقًّا؟ أتقصد شيطان أعظم منك؟ ثم أننا كلنا نعرف "إبراهيم" ونعرف
أباه "آزر" النحات.
- ليس لك أن تعرف كل ما أعرف.. فلست أنا وأنت إلا حلفاء بحلف أنا
السيد فيه.. وما أنت ببالغ مبلغي.. فما أنت في النهاية سوى بشري
تجوع وتبول وتموت.
- أين هي القوة؟ لقد صعدت إلى السماء فوق السحاب ببرجي ولم
أجدها.. وهبطت معك إلى أسفل سافلين ولم أجدها.
- القوة هي أنك مَلِك الاقاليم السبعة.. ولا يوجد بشري إلا ويرتعد عند
ذِكر اسمك.. وعائلات كاملة من الجن تأتمر بأمرك.
- كلهم إلا واحد.. "إبراهيم".. ما الذي يملكه ولا أملكه أنا ولا تملكه
أنت
- هو فقير لا يملك شيئا إلا الحيلة.. والحيلة هي التي أنجته من النار
- أنت كاذب.. كاذب وحقير.. وأقسم أني قاتلك وممزقك إربا.. فور أن
أجد تلك القوة
أعلن تمرده على حليفه "لوسيفر".. فبعد أن تمرد النمرود على والده بقتله.. وتمرد
على الله بالكفر وادعاء الأولهية.. وتمرد على الكواكب التي يعبدها قومه
بتجاهله الكامل لها.. وتمرد على كل الأعراف والأخلاق بطغيانه ودمويته وتجبره





  رد مع اقتباس