عرض مشاركة واحدة
قديم 01-14-2021, 03:41 PM   #5

افتراضي


صاحب الصرخة.. إنه "أنتيخريستوس".. ذلك الكيان الذي يمشي هناك.. هو
كما وصفه الإنجيل بالضبط.. وحش له سبعة رؤوس.. وعشرة قرون يمشي بتؤدة
غير ناظر إلى جهتنا.. يمشي ويصرخ.. ما الذي أتى به إلى أمستردام؟ و من هذه التي
تركب على ظهره؟
امرأة فاتنة ترتدي زيا بنفسجيا مرصعا بالذهب والالماسات الكريمات..
موصوفة هي أيضا في الإنجيل لو تذكر.. عاهرة بابل.. أم العاهرات
والخبيثات في الأرض.. تمسك بكأس مليء بنجاسات وخطيئات البشر.. تشرب من دم الصالحين والصديقين ..
وتبتسم بسخرية.. لكن لماذا تمتطي هذه العاهرة أنتيخريستوس؟
دعك من هذا الآن.. ربما لو قرأت الإنجيل وشرحه ستفهم.
تعال الآن نهرب إلى ذلك الزقاق هناك.. هذه مساحة لا يمكن لوحش كهذا أن يدخل وراءنا فيها..

لقد بدأت أتشتت نفسيا في هذا العالم المتداخل..

هذا الزقاق يبدو قذرا جدا ياصديقي.. هل أنت متأكد أننا في أمستردام؟ بدأنا نشم روائح تبدو كروائح أطعمة
شعوب شرق آسيا.. وسمعنا ضجة زحام تأتي من نهاية الزقاق.. تقدمنا إلى هناك
فوجدنا أنفسنا في شارع رئيسي مزدحم مليء بالناس.. أخذنا نمشي ببطء.. ننظر
حولنا ونتلفت.. يبدو أننا قد انتقلنا إلى مدينة أخرى
تماما.. تذكر أن هذا عادي في طور الروح.. لقد انتقلنا إلى أقصى الأرض.. إلى "بنوم بن".. عاصمة "كمبوديا".
لسنا في مكان عادي في "بنوم بن".. نحن في منطقة الضوء الأحمر في المدينة
أو الـDistrict Redlight ..وكل مدينة في العالم فيها منطقة ضوء أحمر.. وهي
المنطقة من المدينة التي تتركز فيها عاهرات الشوارع والبارات الجنسية ومحلات المساج الجنسية.. هذه المحال
غالبا ما تستخدم في لوحاتها أضواء حمراء مما يظهر المنطقة لمن يراها من بعيد وكأنها تشع نورا أحمر.. نور الرذيلة.
نحن في منطقة الرذيلة في "بنوم بن".. ولو كانت هذه هي أول منطقة رذيلة
تراها في حياتك فلا تحكم أبدا.. إن مناطق الضوء الأحمر في أوروبا وأمريكا شيء
وهنا شيء آخر.. كل شيء هنا متهالك وقذروهناك رائحة لا تدري ما هي في الهواء..
هناك عاهرات آسيويات نحيلات يقفن في كل مكان.. و رجال معظمهم أجانب أتوا
إلى هنا لممارسة الجنس معهن..

أضاء ليزر أخضر في وجهك فجأة فنظرت ناحية
مصدره لتجد عاهرات يرقصن في إغواء في شباك أحد المباني و يصوبن إليك قلم
الليزر.. إنها تريدك أنت من بين كل الملايين.. تنظر إليها ثم إلى الليزر على صدرك في
بلاهة فتأتيك خيالات زهو عن مدى جاذبيتك.. تحرك هيا ولا تكن أبله.

أنت لا تدري كم عاهرة رأيت حتى الآن بينما نمشي.. يأتيك شعور غريب بعد
أن ترى هذا العدد المهول من العاهرات..

تشعر فجأة بأن كل نساء الأرض قد يصبحن عاهرات فقط لو أعطين الفرصة .. هذه مشكلة مناطق الدعارة وبيوت
الدعارة وأفلام الدعارة، أنها تزرع فيك هذا الشعور.. لكن دعنا نتفق على شيء،
العاهرة الواحدة يأتيها عدد كبير من الزناة، فلو أن عدد العاهرات في العالم هو
كذا فعدد الزناة هو على الأقل عشرة أضعاف هذا العدد؛ فالرجال هم الأكثر عهرا.
أتفهم نظراتك المندهشة و أنت تمشي في هذا الشارع الأحمر فمازلت غضا ياصديقي..
محلات المساج التي تعد بخدمة كاملة ونهاية سعيدة منتشرة في كل مكان.. إن الدعارة محرمة في كمبوديا بالمناسبة.. لذلك ليست هناك بيوت دعارة
بشكل رسمي صريح، إنما هناك بارات وفتيات داخل البارات وغرف.. وصاحب

البار ليس مسؤلا عن ذكر أعجب بأنثى في البار فقرر أن يدخل معها إلى إحدى
الغرف..

كذلك صاحب محل المساج ليس مسؤولا عن أن ترتدي الفتاة التي تدلكك ملابسها أو لا ترتديها..
ليس مسؤولا عن كونك ضعيف الإرادة أمام فتاة تدلكك ولا يرتدي أي منكما ملابسه..
حقا تضحكني قوانين تحريم الدعارة في تلك البلد.
دع عنك الشارع الرئيسي وتعال ندخل إلى ذلك الزقاق هناك.. هذه الأزقة

حقيرة جدا.. تتقارب جدرانها حتى لتطبق على نفسك ذاتها.. حتى وأنت في طور
الروح تشعر بضيقها.. الآن توقف هنا ودعنا نصعد لهذا المبنى..
تحديدا إلى الدور الثاني منه.. حيث يعيش جماعة من السافلين في بيت دعارة.. ولا بد أن نكرمهم
بالزيارة.
▪ ▪ ▪
طرقنا الباب ففتحت لنا امرأة في منتصف العمر.. هل تصدق كمية المكياج
ّ الذي تضعه هذه المرأة؟
من الواضح أنها القوادة هنا .. وعلى عادة عالم الأرواح لاوجود للمجاملات وإلاطراءت.. أدخلتنا المرأة بلا كلام.. و مشينا وراءها حتى اقتربنامن إحدى الغرف، هناك قوة روحية عالية في هذه الغرفة جعلت الأجواء تهتز
قليلا.. فتحت القوادة باب الغرفة بلا استئذان.. هناك فتاة جالسة على سرير مزدوج.. الغرفة أحقر من أن أصفها.. رفعت الفتاة رأسها ونظرت إلينا، كانت في العشرينات من عمرها،ترتدي ثوبا مكشوفا وتضع الكثير من المكياج.. ابتسمت لك واهتزت الأجواء لابتسامتها بعنف.. وظلت تهتز حتى بدأت تتلاشى الموجودات

حولنا وتتكون موجودات أخرى.. نحن ندخل إلى روح الفتاة، و لما دخلنا رأينا من حديث روحها عجبا.
تقول روح الفتاة النحيلة:
لا تظن أن ابتسامتي لك هذه حقيقية أو حتى نصف حقيقية، فحتى أبتسم
لك هذه الابتسامة مررت بقصة لا أدري كيف مررت بها، لكن هأنذا عاهرة..
مبتسمة.. وكلما أتيت و جدتني هكذا.. حتى تمل مني وتذهب لتجرب عاهرة أخرى..
لقد أتيت لتسمع قصتي.. قصتي التي عرفت فيما بعد أنها ليست قصة نادرة.. إن هناك الملايين منا.. عاهرات.. مبتسمات.. وهبنا حياتنا من أجل متعتك فيما يبدو.. تعال اقترب مني أيها الروح وادخل إلى مجال عطري واستمع.. وابحث معي عن الخطأ الذي فعلته في حياتي حتى أصير عاهرة.. مبتسمة.
وسط غابات السافانا كنت أركض في دوائر بقدمي الصغيرتين، وشعري
المربوط ضفيرتين وعمري الذي لا يتجاوز العاشرة.. أنا أحب عمل حركة الدوائر
هذه بين الحشائش الطويلة..
هل تحب عملها أنت أيضا؟ لست أعرف لنفسي اسما ما.. أنا من سميت نفسي بنفسي.. فكل الأسماء التي سموني بها في حياتي كريهة لا تعجبني.. ذات مرة رآني رجل طيب وأنا ألعب فقال لي أنت "سومالي"..
"سومالي مام".. ومعناه في لغتنا الكمبودية، قلادة الزهور الضائعة في الغابة البكر..
ارتضيته لنفسي اسما لأني رأيتني فيه..

أذكر أني لما سمعته أول مرة فرحت و كنت أقفز هنا وهناك وأنا أتغنى به بصوت عال .
أبي.. أمي.. أهلي.. لا أعرفهم.. صغيرة كنت حينما تركوني في قريتنا "بوسرا"،
وهي قرية قوامها عشرة أكواخ من القش.. كل كوخ تعيش فيه عائلة صغيرة، أنام
عند أي منهم وآكل عند أي منهم.
ذات ليلة أخذني رجل طيب من القرية اسمه"تامان" وجعل لي مكانا في بيته..

كان طيبا جدا،وزوجته جميلة وطيبة جدا معي.. ما زلت أذكر شعرها الطويل
الذي كانت تعقده خلف رأسها.. كانت حنونة على أطفالها.. كنت أنظر لها ويحزن
قلبي.. لماذا أنا بلا أم؟ لماذا أحاول أن أتذكرشكل أمي فأفشل؟ ويصور لي خيالي شكل

وهميا لها، لماذا أذهب إلى ناحية الأشجار كل حين وأنادي على أمي؟ لقد
قالوا لي إن الأشجار تعرف كل شيء.. لكن الأشجار لم تكن ترد علي إذا سألتها..
هذه الأشجار لا تعرف أين هي أمي.
قال لي الرجل الطيب "تامان": لا يجب علي ك أن تبحثي في الماضي.. لا يجب
عليك . أن تجرحي نفسك






التعديل الأخير تم بواسطة ملكة جروح ; 01-15-2021 الساعة 11:11 AM
  رد مع اقتباس