عرض مشاركة واحدة
قديم 01-14-2021, 07:31 PM   #6

افتراضي


في يوم من أيام الشتاء أتاني "تامان" وقال أنه سيعرفني على رجل عجوز..
قال يا "سومالي" إنه من نفس البلدة التي ولد فيها أبو ك.. هذا العجوز سيوصلك
إلى والديك..
أذكر ذلك اليوم الذي ألبستني فيه زوجة "تامان" فستانا أحمرَ
َ وقلادة خشبية جميلة..
وأمسكت يدي الصغيرة يد ذلك الرجل العجوز وأنا أنظر له بسعادة
..
لم أكن أعلم أنه في ذلك اليوم تحديدا، باعني "تامان" للرجل
العجوز.. باعني له كجارية.. ما زلت أذكر ابتسامتي وأنا أنظر إلى "تامان" وزوجته
هكذا الأطفال دائما يصدقونك.. ويتعلقون بك وأتعلق بيد ذلك العجوز وأضحك.
.. ولو قفزت في اليم سيقفزون خلفك.. في ذلك اليوم أخذني العجوز الذي
اشتراني ومشى بي ومشى.. حتى ابتعد بي عن كل شيء أعرفه.
▪ ▪ ▪
تبدلت بنا الأرض غيرالأرض..
لم تعد هناك "سومالي مام".. ولا "تامان".. لا عليك فسرعان ما سنعود
إليهما..
تذكر أن هذه الأمور تحدث في عالم الأرواح كثيرا.. لا قواعد هنا تتحكم
تذكر هذا جيدا حتى تعتاد عليه ولا تتفاجأ.. مرن نفسك بانتقالك ألي مشهد..
على هذا، ستعتاد هذا.. وستحب هذا.
هانحن الآن قد انتقلنا إلى مكان آخر تماما وأجواء أخرى.. أصبحنا في الشارع
"55-E "بالقرب من الحدود الألمانية في جمهورية التشيك.. هنا يستريح سائقو
الشاحنات الذين يأتون ويروحون كل يوم على طريق "برلين – براغ".. يختارونه
بالذات لأن هذا الشارع تحتشد فيه كل يوم على مدار الساعة أكثر من ثلاثمئة
عاهرة في صف واحد بانتظار فقط أن يختارهن أحد.. فبعد أن يستمتع سائق
الشاحنة بالبطاطس المقلية الرخيصة يمكنه أن يستمتع بإحدى هؤلاء العاهرات
لنصف ساعة بسعر رخيص؛ لذا يدعى هذا الشارع "شارع الحب الرخيص" أو
Love Cheap of Highway ..أطول بيت دعارة في العالم.. ها نحن الآن نجلس أنا
وأنت على مقاعد أحد المقاهي في هذا الشارع وأمامنا على الطاولة بعض
البطاطس المقلية.. وحولنا عاهرات.. وسائقو شاحنات.. والكل يبدو في غاية
الاستمتاع.

كانت هناك شاشة كبيرة تعرض برنامجا ما يحظى باهتمام بعض رواد
المقهى.. شاهدنا معهم البرنامج..
كان يعرض مؤتمرا ما.. فيه نساء جالسات
يتحدثن في أمر ما يبدو بالنظر إلى وجوههن أنه كارثي.. و مكتوب أسفل الشاشة
بالخط العريض "المنظمة العالمية لحقوق العاهرات" أو
Rights' Prostitutes for Committee ..نساء كبير ات وصغيرات.. كانت إحداهن
تقول:
"عاهرة".. اسم يحتقرنا به المجتمع، اسم ظالم.. إنما نحن عاملات في مجال
الجنس Workers Sex ..هذا هو المسمى الصحيح الذي يليق بنا.. نحن موظفات
في "بزنس" الجنس مثل أية عاملات في أي مجال آخر.. ولا بد أن تكون لنا حقوق
مثل أية عاملة في أي مجال آخر.. مهنة في بطاقتنا الشخصية.. تأمين صحي
شامل.. هيئة أو نقابة تحمينا أمام القضاء ضد العنف والاحتقار الذي يمارس
ضدنا.

عرضت الكاميرا شخصا جالسا معهن في المؤتمر يرتدي طاقية سوداء و ينحدر
شعره الطويل من وراءها و يبدو وجهه النحيل المتجهم أسفلها.. كان الرجل يكره
العاهرات وذا باع شهير في قتلهن ورميهن في صناديق القمامة.. قال لهن بهدوء
مريب:
حتى لو أصبح لكن حقوق وتأمينات ومسميات وهيئات.. فأنتن في النهاية
عاهرات.. لا فائدة لكن في المجتمع سوى أن يحتك بكن رجل نجس لبضع دقائق
ثم يرمي لكن بعض النقود ويمضي لحاله.. دعننا نكون صريحين أمام المجتمع،
هناك طبيبة.. وهناك عاهرة.
فصلنا قليل عن مشاهدة البرنامج المثير رجل جالس بجانبنا في المقهى.. كان يقرأ في جريدة..
عجوزا كان ذا لحية بيضاء كثيفة وشعر طويل أبيض كثيف.. ألم
تعرفه؟ إنه "كارل ماركس".. رجل عجوز لا يعترف بدين ولا ملة.. لا يعترف سوى
بالماديات فقط.. لكنه غير أفكار جزء كبير من العالم..
قال لنا فجأة بقرف:
العاهرات هن نتيجة طبيعية للرأسمالية العفنة المتوحشة.. لا بد أن ينتهين
عن هذا العهر.. أنا أميل لرأي جاك السفاح في هذا المؤتمر.
نظرنا مرة أخرى إلى الشاشة بذعر.. هذا الرجل الهادئ ذو الطاقية في المؤتمر
هو جاك السفاح؟!
اهتزت الأجواء مرة أخرى بعنف شديد هذه المرة وعدنا مرة أخرى إلى"كمبوديا".. حيث تجلس تلك الآسيوية النحيلة بمكياجها الأبيض تحكي.
▪ ▪ ▪
تقول "سومالي مام":

مشيت أنا والعجوز الغريب بعيدا عن كل شيء أعرفه..
كنت أنظر له من آن لآخر بسعادة وأمل.. مشينا حتى وصلنا لمجموعة من الناس
واقفين بجوار شاحنة كبيرة..
خفت جدا

لما رأيت الشاحنة وسمعت هديرها وأنا التي لم أر فى حياتي حتى دراجة.. تراجعت بخوف.. وللمرة الأولى رفع العجوز يده وأنزلها بسرعة وشدة على وجهي في ضربة قاسية جدا.. لم يضربني أحد من قبل..
كانت هذه هي أول مرة.. وقعت على الأرض في دهشة وألم.. لأجد العجوز يرفعني من على الأرض ويرميني رميا في الشاحنة.. ويغلق علي الباب.

ظلاما من فوقه ظلام كانت الشاحنة..

وظلاما كانت حياتي بعد ذلك.. نزلنا
من الشاحنة وركبنا سيارة صغيرة مرت بنا عبرالمدينة.. كانت المرة الأولى التي أرى
فيها أي مدينة.. رأيت سيارات.. و دراجات نارية.. و مطاعم.. و أناس بشرتهم فاتحة

يرتدون ملابسا ملونة.. و رأيت مجموعة من الفتيات يمشين معا في زي مدرسي
موحد أبيض.. أعجبني منظرهن.. ظننتهن ملائكة.. لم أكن أدري ما هي المدرسة أصل.
مشينا في أرجاء المدينة حتى وصلنا إلى قرية الرجل العجوز.. دخلت بيته، كان

يعيش وحيدا.
ّ فهمت أن أن أنظف البيت وأطبخ وأملأ الماء من النهرعلي كل يوم.. لقد اشتراني ذلك الرجل كخادمته المحلية..
كان هذا معتادا جدا في "كمبوديا".

كان العجوز يشرب كل ليلة ويلعب القمار كثيرا.. وفي الليلة التي لا يجد فيها

شرابا كانت عيناه تبرزان ويمسك عصا البامبو ويضربني بقسوة شديدة.. كانت
تلك العصا تؤذي جلدي الصغير.. وكان السطلان اللذين أملأهما بالماء وأحملهما كل صباح يؤذيان كتفي الصغير..
كنت أتعثر عدة مرات وأنا أحملهما وتجرح قدماي.. و كلما رآني العجوز قال أنني سبب حظه السيئ.. لأن أعماله كلها بدأت تفشل مذ أن اشتراني.

كان يضربني إذا غسلت الصحون قبل أن أملأ الماء لأنه لا يجد ماء للشرب..
ويضربني لو ملأت الماء قبل أن أغسل الصحون لأن الصحون قذرة..

لما كان يغضب كنت أحاول ألا أتنفس حتى لا يلحظني.. كان يظل في البيت ولا يعمل أي
شيء على الإطلاق إلا القمار، ويترك لي أنا ملاء الماء له ولبيوت كثيرة من حولنا
حتى أجمع له بعض المال.
▪ ▪ ▪

مرة أخرى طافت بنا الدنيا طوفا عجيبا ووجدنا أنفسنا قد انتقلنا إلى مكان بعيد تماما عن كل ما هو آسيوي..
انتقلنا إلى شارع أوروبي راق جدا.. وبخطوات حذرة مشينا فيه منتظرين المشهد التالي.. إنها منطقة الضوء الأحمر في أمستردام..
أشهر وأرقى شارع دعارة في العالم.. هنا الدعارة مصرحة.. محلات الدعارة هنا
تقول لك

مرحبا أنا محل دعارة.. نوافذ هذه المحلات و"الفاترينات" تتمايل
بداخلها عاهرات يعرضن ما لديهن بطريقة مغرية وينظرن لنا مشيرات بأيديهن
داعيات لنا أن نأتي وتدخل.. هنا الدعارة المرخصة يا صديقي.
أنا أسمع صوت المؤتمر.. لكن أين هو التلفزيون؟ نظرنا حولنا ولم نجده.. ثم
نظرنا في الأفق..
المشهد عجيب نوعا ما لكنه ليس غريبا على عالم الأرواح.. هناك
شاشات في الأفق مثبتة في زوايا السماء تعرض ذلك البرنامج بينما نحن نمشي في
شارع الدعارة المرخصة، وهاهو جاك السفاح جالسا بطاقيته في المؤتمر بوجهه
النحيل المخيف.. كانت هناك امرأة تقول:
قل لي أيها الغريب.. لماذا يجرمون الدعارة؟ ما الضرر في أن تعمل المرأة بها

وتكسب نقودا من جسدها.. هي تستمتع والرجل يستمتع.. الطرفان يستمتعان..


ما المشكلة إذ ا؟
رد جاك السفاح:
هناك من يتبنون وجهة نظركن من الرجال ويجعجعون طيلة الوقت بأن
العاهرة موظفة مثلها مثل أي موظف في أي مجال..
لهؤلاء أقول لهم إذ طالما هي وظيفة عادية كأية وظيفة أخرى.. اجعل زوجتك تعمل فيها أو ابنتك أو أمك..
و حين تذهب لتأخذها من عملها لتوصلها إلى المنزل، انتظرها في نهاية ذلك الزقاق

إذا وهي تختبئ لينتهك عرضها شخص قذر.. وأنتن يا من تدافعن عن الأمر وكأنه

الشيء الذي يحتاجه المجتمع ليصير راقيا.. أطلقن أزواجكن للعمل كعاهرين

ينامون كل ليلة مع عشر نساء ويأخذون نقودا منهن.. يا دعاة الرقي.. لماذا
تشعرين بالغضب إذا حين تكتشفين أن زوجك ذهب إلى عاهرة وفعل بها ما فعل

ثم دفع لها نقودا؟ أليست هي موظفة؟ اعتبريه ذهب لشراء آيس كريم ثم عاد
للمنزل.. ما الضرر في هذا؟
قالت إحدى الفتيات:
فليكن.. لكن يجب أن تعرف أن الدعارة هذه مشكلة موجودة في المجتمع،
شئنا ذلك أم أبينا.. وكل ما نريد أن نفعله نحن هو أن نحافظ على هذه الفئة
من المجتمع من الاذى.. فليس معنى أنهن خاطئات أن نجيز عليهن الأذى والقتل
والاغتصاب.. بل يجب أن نحميهن لو حدث ضدهن إجرام.. حتى نكون دولة
محترمة. International






التعديل الأخير تم بواسطة ملكة جروح ; 01-15-2021 الساعة 10:47 AM
  رد مع اقتباس