عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2020, 11:09 AM   #65

افتراضي

- جئت من أرض مصر.. لقد كنت أُبحر مع رفاقي البحًارة العظام في
سفينة.. ثم إن البحر قد غضب علينا ورمى بسفينتنا إلى الصخور..
فتحطمت وغرق الكل إلا أنا.
قال له سيدي بصوت هادىء حكيم :
- لا تجزع أيها المصري فأنت آمن هنا في جزيرتي.. لقد كنت أنت
المختار الوحيد الذي نجا من الكارثة التي هلك فيها العديد من الرجال
العظماء المصريين.. أنت المختار الوحيد أيها المصري.
قال له البحّار وقد بدأ يهدأ :
- ومن أين أنت أيها الرجل القوي؟
قال له سيدي "أنتيخريستوس":
- لا يهمك من أين أنا.. يمكن أن تدعوني بالثعبان.. لقد كان يعيش معي
على هذه الجزيرة سبعين من رفاقي.. لكن شهبًا سقطت عليهم
فأحرقتهم جميعًا.. ولم أنجِ إلا أنا.. وفتاة صغيرة أخرى.
قال البحَّار:
- يبدو أنك محظوظ مثلي أيها الثعبان.
بدا على سيدي "أنتيخريستوس" شبح ابتسامة وهو يقول للبحار :
- إن لدي القدرة على التنبؤ أيها المصري.. وإنه ستأتيك بعد شهور
أربعة سفينة أخرى تنقذك وتعيدك إلى بلادك.
فرح البحار فرحًا غامرًا وقال :

- حقَّا أيها الرجل الطيب؟ حقًّا؟ أقسم بعظمة الآلهة أنه لو حدث ما
تقول ألعودن إليك محمَّلًا بالهدايا والكنوز والبخور والقرابين من
مصر.
ضحك سيدي "أنتيخريستوس" وقال له:
- ليست جزيرتي بحاجة إلى أي شيء يمكنك أن تحضره.. ولتعلم أيها
المصري.. أنك ما إن غادرت جزيرتي هذه فإنه لن يكون بمقدورك
العودة.. لأن جزيرتي هذه سوف تختفي في البحر.. ولسوف تُظهر
نفسها للتائه المختار التالي الذي ستقوده قدمه إليها.
قال سيدي "أنتيخريستوس" فجأة :
- ولكن أيها المصري فور عودتك إلى بلادك ليس مسموحًا لك أن تذكر
أنك قابلت إنسيًّا هنا.. بل قل إنك قد قابلت ثعبان.. وليصدقك من
يصدقك وليكذبك ومن يكذبك.
قال الرجل :
- كما تريد أيها الثعبان.
وبعد مرور أربعة أشهر وصلت سفينة بالفعل إلى الجزيرة وأهدى سيدي
"أنتيخريستوس" إلى البحار المصري هدايا وعطايا كثيرة.. من العاج والكحل
والعطور والبخور ونبات السنا والتوابل والأخشاب والذهب والفضة ومن الحيوانات
الزراف والقرود ليأخذها معه إلى مصر.. وأمضى البحّار في سفينته الجديدة
شهرين.. وكان ينظر إلى جزيرة "أنتيخريستوس" وهي تتضاءل وتتضاءل حتى
اختفت تمامًا كما أخبره "أنتيخريستوس".

ولما عاد ذلك الرجل إلى مصر حكى قصته تلك إلى الوزير الذي حكاها بدوره
إلى فرعون.. وأمر فرعون رئيس الكتبة "آمون آمونا" أن يكتبها على البردي
وكوفىء البحَّار بمنصبٍ كبيرٍ في القصر الفرعوني وهو كبير موظفي القصر
تعويضًا له عن محنته ومكافأة له على روح المغامرة التي يتحلى بها.
قرأت أيها الإنسان هذه البردية في العصر الحديث وكان اسمها "قصة المالح
التائه" ولم تفهمها أيها الإنسان.. الحقيقة التي ذكرها "أنتيخريستوس" لذلك
الرجل عن السبعين رفيقًا من رفاقه الذين ضربتهم الشهب.. أن هؤلاء شياطين
كانوا يعملون في مقام خدمة سيدي "أنتيخريستوس" ويأتمرون بأمره.. وإنه قد
نما إلى علمه أن الله سيبعث في بني إسرائيل نبيًّا عظيمًا.. فغضب سيدي لذلك
غضبًا شديدًا وأمر جميع الشياطين أن تصعد إلى السماء لتأتيه بالخبر اليقين عن
ذلك النبي ومتى سيبعث.. وعندها حدثت المأساة الحزينة.. لقد أُمطرت جميع
الشياطين بشُهب من السماء فأحرقتهم كلهم.. كما يحدث دائمًا عند اقتراب
نزول أي نبي.. كان النبي الذي وُلِد فيما أتى من الأيام هو "موسى".. أما
"أنتيخريستوس" فلم يبق معه على الجزيرة سوى شيطانة واحدة.. وهي التي
سماها للبحار بالطفلة الصغيرة.. كانت تلك هي الشيطانة "سباي".. وكانت
لاتزال طفلة أيامها.
يقول "سيربنت" الأفعى اليهودية الشيطانية..
سأنزل بكم إلى مشهد عظيم هو الأعظم على الإطالق بين مشاهد األرض
جميعها.. مشهد "موسى" وهو يشق بعصاه البحر إلى قطعتين.. قطعتين من
البحر عن اليمين وعن الشمال كأنهما شلالين يسيلان إلى الأعلى وليس إلى
الأسفل.. مشهد نحتاج حتى نوصله إلى ذهنك.. أن يجتمع كل مخرجي هوليوود
في مشهد واحد.. وكل هذا و"موسى" يتقدم بني إسرائيل الذين يمرون وسط
البحر المنشق بمتاعهم وراء موسى.. وكان بينهم سيدي

العظيم.. "أنتيخريستوس".. كنت أراه يتقدم الصفوف وراء "موسى".. فلما عرف
سيدي أن النبي المبعوث هو "موسى" أصر إلا أن ينزل إلى ساحته ويتحداه في
قومه.
كنت أزحف بين أقدام بني إسرائيل في ذلك المشهد العظيم وأنظر إلى
"أنتيخريستوس" الذي كان يفعل أمرًا عجيبًا جدًا.. كان يرى المَلَك "جبريل" وهو
على فرسه الأسطورية يشق البحر ومن ورائه "موسى" ومن ورائهم بني
إسرائيل.. أما "أنيخريستوس" فقد لاحظ أن أثر فرس "جبريل على الأرض
الصفراء يحولها إلى خضراء.. كان "أنتيخريستوس" هو الوحيد بين كل هؤلاء
الذي يرى "جبريل".. وقد عرفه لأنه هو الذي تعهده واعتنى به في طفولته..
والآن يرى أثر فرسه على الأرض الذي يجعلها خضراء.. فانحنى أنتيخريستوس
وقبض قبضة من أثر فرس "جبريل".. ووضع تلك القبضة المقدسة في متاعه..
فقد عرف أن فيها سرا ما.
وبعد أن اجتاز الجميع البحر شرعوا في عبور الصحراء قاصدين أرض فلسطين..
وبينما هم يمشون إذ رأوا في طريقهم قومًا عاكفين على عبادة عجل. . فقالوا
لـ "موسى" :
- يا "موسى" اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة
قال لهم "موسى" غاضبًا:
- إنكم قوم تجهلون.. إن الله لمفسد عمل هؤلاء ومهلكه.. أفغير الله
تبتغون إلهًا وهو فضلكم على العالمين وللتو أنجاكم من لا فرعون؟
لاحظ "أنتيخريستوس" هذا المشهد وأسرَّه في نفسه.. حتى أتى ذلك اليوم الذي
غادر "موسى" فيه قومه إلى جبل الطور ليكلم ربه.. وأخبر قومه أنه عائد لهم
بعد ثلاثين ليلة.. وترك أخاه "هارون" خليفة له في قومه.. ومرت ثلاثون ليلة ولم





  رد مع اقتباس