عرض مشاركة واحدة
قديم 12-24-2020, 11:24 AM   #66

افتراضي

يأتِ "موسى".. ومرت ليلة ثم ليلة ثم ليلة.. ولم يرجع "موسى".. وهنا انتهز
سيدي "أنتيخريستوس" الفرصة أعظم انتهاز وأشده عبقرية ودهاء.. قال لهم
بصوته القوي الآسر :
- يا قوم اجمعوا إليَّ الذهب الذي أعاركم إياه المصريون والذي
تشعرون بالإثم لحمله.. فإني مُخلصكم منه.
وجمع إليه القوم الذهب الذي استعاروه من المصريين فصهره كله وصنع منه
عجلًا ذهبيًا ذا شكل رائع.. لم أكن أعرف أن سيدي "أنتيخريستوس" فنان.. إن مثله
لهو أعظم من أعظم فنان.. ثم إن سيدي "أنتيخريستوس" أخرج من متاعه ذلك
الأثر الذي قبضه من أثر فرس "جبريل".. ثم إنه ألقاه على العجل الذهبي..
فاستحال العجل الذهبي عجلًا ذهبيًّا حيًا.. كان مشهدًا مهيبًا أذهلني أنا نفسي
ولم أستوعبه في البداية.. وكذلك ذهل بنو إسرائيل كلهم ونظروا إلى تلك
المعجزة بعيون مبهورة.. وفي غمرة انبهارهم قال لهم سيدي :
- لقد ذهب "موسى" ونسي أن إلهه هاهنا.. هذا إلهكم الجليل ياقوم
وإلهي وإله "موسى".
فخرّوا له متعبدين وطافوا حوله فرحين فخورين محتفلين.. جزع "هارون" ونزل
فيهم قائلًا:
- ياقوم ماذا دهاكم اتقوا الله الرحمن ربكم.. دعكم من هذا الشيء
واتبعوني وأطيعوا أمري
قالوا له:
- بل لن نبرح مكاننا.. نحن هاهنا عاكفون عليه حتى يرجع إلينا "موسى"


وفجأة رجع "موسى".. وهاله ما رأى من أمر العجل الذهبي الذي يخرّون له سُجّدًا
عابدين.. غضب "موسى" غضبًا شديدًا.. فقد اشتهر بسرعة الغضب.. وكانت
معه ألواح مكتوبة فيها التوراة أماله إياها ربه في جبل الطور.. فألقى الألواح
التي في يده كلها فتحطمت على الأرض.. صاح في قومه :
- ياقوم مابالكم.. ألم يعدكم ربكم وعدا حسنا؟ أفطال عليكم العهد
يا قوم؟ أم أنكم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم.
قال له قومه:
- بل إننا قد جمعنا ذهب المصريين فألقيناه عند قدمي هذا الرجل
السامري.. وقد أضلنا.
ثم إنه أمسك بأخيه "هارون" من لحيته ورأسه بشدة وقال له:
- ما بالك يا "هارون"؟ مامنعك لما رأيتهم قد ضلوا.. أفعصيت أمري يا
"هارون"؟
قال له "هارون":
- أخي لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي.. لا تشمت في العدا.. لقد خشيت أن
تقول أني فرقت بين بني إسرائيل من بعدك.
تركه "موسى" والتفت إلى "أنتيخريستوس".. والذي سمّاه بني إسرائيل
بالسامري.. فالسامري في عُرف بني إسرائيل هو الرجل الغريب عنهم.. وهي
تعني أيضًا الرجل المُضل.. وكانت تلك مواجهة "موسى" مع "أنتيخريستوس"..
وإني كنت متحمسًا جدًّا فارتفعت برأسي أراقب ما سيحدث عن كثب.
قال له "موسى" بهدوء غريب :
- ما خطبك يا سامري؟

قال له "أنتيخريستوس" بهدوء أشد :
- رأيت مالم ير هؤلاء في يوم مررنا بين شقي البحر.. رأيت ذلك الرسول
على فرسه الأسطورية.. فقبضبت قبضة من أثر فرسه.. فرميت
القبضة على هذا العجل.. وكذلك سولت لي نفسي أن أفعل.
توقعت أن يثور "موسى" في وجه سيدي "أنتيخريستوس" بما اشتهر عنه من
سرعة الغضب خاصة في هذه الأمور.. لكن "موسى" قال له بهدوء غريب :
- اذهب أيها السامري.. فإن لك في هذه الحياة موعدًا.. وإن هذا
الموعد لن تُخلفه.. أما عن إلهك الذي ضللت به القوم.. فستراه ونحن
نحرقه ونذر رماده في البحر.
كان أمرًا عجيبًا أن يعامِل "موسى" أنتيخريستوس بكل هذا الهدوء.. لكن يبدو
أن "موسى" عرف من هو "أنتيخريستوس".. وعرف أن موعد المواجهة الحقيقية
معه ليست الآن.. وإنما في زمن آخر.. زمن لن يكون فيه "موسى" ولا فرعون..
زمن هو آخر سطرين من تاريخ بني الإنسان.
تقول الشيطانة "سباي"..
لو أن نفسي تحب الحديث عن نفسها لقالت إنني شيطانة لم يعرفني أحد من أهل
الأرض قاطبة.. وإن كنت أعرف أهل الأرض قاطبة.. لست جاسًة بل إنني
جسّاسة.. أجس خبر الأرض وأهل الأرض وأبالغ في ذلك.. وليس لي سكن إلا
بجوار سيدي العظيم "أنتيخريستوس".. في جزيرة الثعبان.. ويوم مأساة احتراق
كل شياطين الجزيرة بالشهب في زمن "موسى".. لم أصب بأدنى أذى.. لأنني لم
أكلف بجس خبر السماء.. وإنما بخبر الأرض.. وليس يفعلها إنس ولا جن خير مما
أفعلها.. هيئتي الشيطانية يراها الإنس.. ولايزالون يرونها حتى العصر الحديث..
فأنا من قبيلة من الشياطين كلهم على هيئتي.. وإن اختلفوا عني في تفاصيل

تشريحية يسيرة.. إن قبيلتي تسكن غابات الأرض كلها.. ولأيسر عليك تصور
هيئتي عليك أن تتصور أولا غوريلا.. ثم تضع لهذه الغوريلا شعرا طويلا كثيفا
جدًّا يغطي جسدها كله ويغطي وجهها.. هكذا أنا.. وهكذا نحن.. وقد أطلقتم
على قبيلتي في عصركم الحديث اسمًا عجيبًا.. "ذو القدم الكبيرة".. أو Big
Foot ..ومسماكم هذا إن دلَّ فإنما يدل على جهل بني الإنسان وشده حمقه..
تسألني كيف أجس الأخبار بالضبط؟ هذا مما لا يجب أن يقال.. فقط اعلم أنني
أعلم.. وأراقب.. وليست قبيلتي مثلي.. فلهم حياتهم ولي حياتي.. وحياتي عند
سيدي.. وهو سيدي وسيد الجميع.
لقد وطئَت جزيرة الثعبان أقدام بشرية مرتين.. إحداهما في زمن "موسى"..
وهو ذلك المالح التائه.. وكانت الثانية في زمن "محمد".. نبي آخر الزمان.. وإن
لهذا قصة..
في ذات ليلة عاصفة في بحر اليمن كانت هناك سفينة يلعب بها الموج حتى فقد
ربَّانها القدرة على تحديد مكانه.. فأيما ينظر بوجهه لا يرى إلا زرقة البحر.. وقد
حاول ربانها أن يعود إلى أية يابسة بالجوار لكنه يئس.. وأصبحت تتناوب على
السفينة عواصف وراءها عواصف.. حتى مكثت في بحر اليمن شهرًا كاملًا
تتلاعب بها الأمواج كيفما تشاء.. حتى أرفأت السفينة فجأة إلى جزيرة.. كانت
هذه جزيرتنا جزيرة الثعبان.. وكان هؤلاء نفرًا من النصارى العرب عددهم إحدى
وثلاثون رجلًا. . كان منهم رجل يدعى "تميم الداري". جلسوا أول الأمر في
قوارب السفينة حتى غربت الشمس واسودت السماء.. ثم دخلوا إلى الجزيرة..
وفور أن دخلوها لقيتهم.. كانت هيئتي غريبة جدًّا عليهم.. ظنوني حيوانًا
فسموني دابة.. ولأن هيئتي بدت لهم أقرب تشريحيًّا إلى الإنسان وجّهوا لي
كلامًا فقالوا وعيونهم تغمرها الدهشة:
- ويلك.. ما أنت؟





  رد مع اقتباس