عرض مشاركة واحدة
قديم 01-07-2012, 12:24 AM   #1


أنهي ما لدي من عمل، أسامر الأهل حتى تأتي ساعة انعزالي في الحادية والنصف هذا الوقت لك فقط، أنهض بعد أن أجمع ما بقي من ضحكاتي وكلماتي اللطيفة من بينهم لأدخل إلى حجرتي الصغيرة، و أضعها على الأوراق فهي أيضاً تنتظرك مثلي.



وكوب قهوتي لا يفارقني في غيابك، ينتظرك أيضاً و يرسم لي ملامحك الجميلة على غشاوة سطح القهوة بداخله، تلك القهوة الغيورة تحبني أكثر منك، لأنها تحاول المستحيل لتحصل على قبلةٍ من شفتاي، وإن كانت ليست المقصودة بها، لكن يكفها ملامستي لتشتعل من جوفها بالبن أكثر وتحرق به انحناءات الكوب ليرجف بين يدي غضباً منها، فيقوم هو الأخر برجفةٍ تلو رجفة فتسقط القهوة على ثيابي بدل من صعودها إلى شفتاي، فأبتعد مرغمةً عن الشرب قليلاً .. فيزداد شوق القهوة لي وحقدها على الكوب.

يبتسم هو لأنه يشعر بالانتصار و العدل على هذه القهوة التي لم تراعي حظرت وجودة، جميلة تصرفات الكوب في الانتقام، لأنه أخبرني مرةً في ليلة انتظار عقيمة وماطرة بأن العدل أهم من الحرية، فسألته كيف ذلك؟ أخبرني أنه أسير لهذه القهوة، ولا يستطيع أن يتحرر منها مهما حاول ذلك، سيبقى كوب قهوة ولا شيء غير ذلك سوى أنه يستطيع أن يحصل على العدل، فحين يشعر بألم لسعاتها عليه، يرد لها الصاع صاعين، فهو يؤمن أكثر مني بقانون نيوتن لكل فعل رد فعل.

كم أحتاج كثيراً للإيمان بردود الأفعال المكبوتة لليوم بداخلي، ففي وطني لا حرية للنساء، والسبب أن هناك قهوةً من نوع خاص تأسرنا، طغيان يجرف عقولنا، ويحرمنا من الحياة، فنحيا ملكات يمين ونموت جواري ما بين قبرٍ و زوج خالي من انتماء الحب والمشاعر الجارفة، برغم الولادة أحراراً.

حقي في كرامتي ولا يأتي حقي هذا إلا بالعدل، حين ينتهي التميز وتموت العنصرية، وتحرق الفتنة، و تغرق الطائفية، ونبقى نحن الإنسان دون تفريق في الجنس، نبقى إنسان يحب الحياة، فالحياة تتسع للجميع.

تعبت من التفكير في أحاديث هذا الكوب الواقعية، من أعاتب ومن أحاسب غير ذاتي وأجلدها، وأنتَ لم تمطر جلسات الانتظار بقدومك، ولم يشفي كوب القهوة شكواي له، لكنه بكى معي وأبكاني، وكل قطرة حبرٍ سقطت من قلمي لترسم جرحي على الورق حيلةٌ مني لأمحيك من نبضاتي، إلا أنني فشلت فلا شيء يستطيع محوك وأنتَ الساقط في دمي، فعدت إلى المعاناة البدائية و راية الهزيمة على كتفي أثنيتها ضعفاً .



فأهمس … “يا ليلة الكآبة و اجترار الأحزان باللوعة و البؤس، ما بين وطن نسجن به دون جرم ومحاكمة، وبين ابتلاء حب ذلك المهاجر المسافر الغريب، الصديق الحبيب، القريب البعيد، هو الأخر لم يعد له طعم المطر القادم بالخير أصبح البركان المستبد يجرف الروح إلى أجل غير مسمى …”



الآن أُغفِي خمرة الحب في طيات النسيان، لأتجرد من أنا… وأكتبه أحرفً متناثرة في طرقات يأسي، علني أنسى، فالوقت و الوطن و هو.. وقعوا على وثيقة نفي روحي في زنزانة الجنون للأبد.









(رباب الفهمي).





  رد مع اقتباس