الموضوع
:
الإقبال على الخير من علامات التوفيق
عرض مشاركة واحدة
11-02-2025, 02:57 AM
#
1
الإقبال على الخير من علامات التوفيق
الإقبال على الخير من علامات التوفيق
﴿
وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم
﴾ [محمد: 38]
تمهيد:
يؤكد القرآن الكريم على العديد من السنن الكونية والاجتماعية التي تنظم حركة الكون، وحركة الاجتماع البشري، وهذه السنن ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالسنة الأصل، والقاعدة الأساس التي أثبتها الله تعالى، الدالة على عظمته وقدرته وحكمته ووحدانيته جل جلاله في تدبير الملكوت الواسع، وما فيه من أكوان، وخلقٍ لا يحصي عدده، ولا يحيط بعلمه إلا الله وحده جلت قدرته، وَعَظُمَ شأنه، قال تعالى: ﴿
يسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ
﴾
[1]
. قال الطبري رحمه الله: "هو كلّ يوم في شأن خلقه، فيفرج كرب ذي كرب، ويرفع قومًا، ويخفض آخرين، وغير ذلك من شؤون خلقه"
[2]
.
أولًا:
إن السننَ الكونية تسير بالتسخير، يعني ليس هناك اختيار للشمس ولا للقمر
:
﴿
أَتَيْنَا طَائِعِينَ
﴾
[3]
، أما بالنسبة لسنن الله في الناس، والأفراد والمجتمعات، فإنها مرتبطة بإراداتهم وأفعالهم واختيارهم. قال الطبري رحمه الله، عند تأويل قوله تعالى: ﴿
قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ
﴾
[4]
"أي: جئنا بما أحدثتَ فينا من خلقك، مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك"
[5]
. أما أعمال الناس وأفعالهم، فهي مبنية على إراداتهم واختياراتهم، قال تعالى: ﴿
لمَن شَاءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ
﴾
[6]
". قال ابن عباس رضي الله عنهما: "هذا تهديد وإعلام أن من تقدم إلى الطاعة والإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم جوزي بثواب لا ينقطع، ومن تأخر عن الطاعة وكذب محمدًاصلى الله عليه وسلم عوقب عقابًالا ينقطع"
[7]
.
ثانيًا:
أقربُ مثالٍ للسنن الاجتماعية الشائعة التي يلمسها الناس، سنة التغيير. قال الله تعالى:﴿
إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ
﴾
[8]
،
وقال سبحانه: ﴿
ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
﴾
[9]
. قال ابن باز رحمه الله: "إن الله جل وعلا يغير ما بالناس إذا غيروا، فإذا كانوا على طاعة واستقامة ثم غيروا إلى المعاصي، غيرَّ الله حالهم من الطمأنينة والسعادة واليسر والرخاء إلى غير ذلك".
ثالثًا:
أوضح السعدي رحمه الله في تفسير الآية موضوع المقال، فقال: "﴿
وَإِنْ تَتَوَلَّوْا
﴾ عن الإيمان بالله، وامتثال ما يأمركم به ﴿
يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم
﴾ في التولي، بل يطيعون الله ورسوله، ويحبون الله ورسوله، كما قال تعالى: ﴿
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آ
مَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ
﴾"
[10]
.
رابعًا:
ركزت الآية موضوع المقال بوضوح على سنة الاستبدال في الجانب الديني عقيدة وشريعة، وهناك آية أخرى متوافقة معها، قوله تعالى: ﴿
إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
﴾
[11]
. قال ابن كثير رحمه الله: "﴿
وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ
﴾، أي: لنصرة نبيه وإقامة دينه، كما قال تعالى: ﴿
وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم
﴾
[12]
"
[13]
.
خامسًا:
لما كانت عقيدة التوحيد هي أساس الدين، ومنطلق شرائعه؛ كان الالتزام بها واجبًا، وكذا الحرص على تطبيقها واقعًا؛ قولًا وعملًا، لأن مآل ذلك خير عظيم، وتوفيق لا حد له، وسعادة دائمة لا تنقطع في الدنيا والآخرة، ومن حاد عن ذلك واستبدل الأدنى بما هو خير، فقد أضر نفسه، ولا يضر الله شيئًا، بل قد خسر خسرًا مبينًا، فالموفق من وفقه الله.
سادسًا:
إن تأسيسَ البنيان على قواعد متينة وراسخة أدعى للبقاء والاستمرار مهما عصفت به الرياح وطالت به السنون، وكذلك من اعتمد في كل شؤونه على عقيدة صافية، ومنهج قويم مستمد من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ووفق منهج سلف الأمة الصالح، فقد استمسك بالعروة الوثقى، وسار واتجه في المسار الصحيح، وصدق الله العظيم: ﴿
فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ
﴾
[14]
. قال ابن باز رحمه الله: "المعنى: إن من اتبع الهدى، واستقام على الحق الذي بعث الله به نبيه محمد عليه الصلاة والسلام، فإنه لا يضل في الدنيا، بل يكون مهتديًا مستقيمًا، ولا يشقى في الآخرة، بل له الجنة والكرامة".
وصدق القائل:
وَالبَيتُ لا يُبتَنى إِلاّ لَهُ عَمَدٌ
وَلا عِمادَ إِذا لَم تُرسَ أَوتاد
سابعًا:
يتسع معنى الآية الكريمة موضوع المقال، فلا يقتصر فقط على الجانب العقدي والإيماني، فهي تشمل مناحي الحياة كلها، فمن تولى عن أمرٍ، أو مجالٍ، أو أي شأن فيه خير وصلاح ونفع عام أو خاص، فإن سنةَ الاستبدال تطوله، وهذا واقع مشاهد وملموس، فالحياة وشؤونها لا يقتصر تسيير الأعمال وتمامها وإنجازها على شخص بعينه، أو أشخاص معينين، بل قد تكون سنة الاستبدال حلًا ناجعًا، وقدرًا إلهيًا فيه خير كثير لم يكن متوقعًا.
ثامنًا:
من أقوى العلاقات الاجتماعية، بل أعظم المواثيق، ميثاق عقد النكاح، وعليه تقوم نشأة المجتمع والأمة بأسرها، قال تعالى: ﴿
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا
﴾
[15]
. قال ابن عثيمين رحمه الله: "الميثاق العهد، والغليظ المشدد، أو الشديد أي: أخذن منكم ميثاقا غليظا، وذلك بعقد النكاح"
[16]
. قال الشعراوي رحمه الله: "وهذا الميثاق الغليظ يحتم عليك إن تعثرت العِشْرة أن تتحملها وتعاملها بالمعروف، وإن تعذرت وليس هناك فائدة من استدامتها فيصح أن تستبدلها"
[17]
. وعلى الرغم من قدسية هذه العلاقة، وميثاقها الغليظ، فإذا تصدع بنيانها، ولم يفلح صلاحها بالطرق الشرعية المعتبرة، وباءت كل محاولات الإصلاح الشرعية بين الطرفين بالفشل، وحصل حينئذ الفراق، فقد حان الاستبدال. قال سبحانه: ﴿
وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلًّا مِّن سَعَتِهِ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمًا
﴾
[18]
. قال ابن كثير رحمه الله: "أخبر تعالى أنهما إذا تفرقا فإن الله يغنيه عنها ويغنيها عنه، بأن يعوضه بها من هو خير له منها، ويعوضها عنه بمن هو خير لها منه: ﴿
كَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمًا
﴾، أي: واسع الفضل عظيم المن، حكيمًا في جميع أفعاله وأقداره وشرعه"
[19]
.
تاسعًا:
خُتمت آية الفراق بين الزوجين باسم الله الواسع، ومن مدلولاته أن أيَّ أمر من أمور الحياة وإن كان عظيمًا ظاهره المشقة، ولم يفلح معه التوجيه والإصلاح، فالله تعالى بسعة قدرته وعظيم حكمته يوجد المخارج المناسبة الكفيلة بتيسيره على أحسن حال وأفضل مما كان عليه، ويؤكد الدكتور باسم عامر أن من آثار اسم الله
"الواسع"
:
"أنه يفتح للعبد أبواب الرجاء كلما ضاقت عليه الأمور، ويعطيه آمالًا كبيرة عندما تواجهه المصائب والعقبات وتوصد عليه الأبواب، ولا يبقى له باب إلا باب الله الواسع، الذي بيده مقاليد كل شيء"
[20]
.
عاشرًا:
الأولى عدم المبالغة في التمسك بالأشخاص، أو عموم الأشياء، فمن تولى برغبته، ولم يتبين معه الحرص على البقاء وبذل أسبابه، وبخاصة إذا تأزمت الأمور وبدأ يحصل معه التنافر والشقاق، ولا أمل يُرتجى في إصلاح الحال، فحينئذ يأتي دور السنة القرآنية: ﴿
وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم
﴾.
الحادي عشر:
إن العنايةَ بتقوى الله تعالى، والالتزام بشرعه بأداء الفرائض، والإكثار من نوافل العبادات لها أثر قوي في إنارة البصيرة، وحصن حصين وملجأ آمن بحول الله وقوته من أي انحراف وزيغ عن جادة الصواب في أمور الحياة الدينية والدنيوية، فيكون العبد في رعاية الله وحفظه في يومه وليله وحاضره ومستقبله.
الثاني عشر:
ينبغي على المسلم التحلي بالصبر، وحسن الأخلاق في التعامل مع أهله وإخوانه وجيرانه وأقرانه والناس أجمعين، والحذر الشديد من التهور والاستعجال في اتخاذ القرارات، وخاصة المصيرية منها إلا بعد الاستخارة الشرعية، والاستشارة من أهل الخبرة والرأي السديد المعروفين بالصلاح والتقوى.
بسمة خجل
,
AL KING
,
ابو خالد
معجبون بهذا
الوردة الجميلة
مشاهدة ملفه الشخصي
إرسال رسالة خاصة إلى الوردة الجميلة
البحث عن كل مشاركات الوردة الجميلة