عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2020, 11:26 AM   #53

افتراضي

في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917
عزيزي اللورد روتشيلد
يسرني جدًّا أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة ملك بريطانيا التصريح التالي.. والذي
ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية.. وقد عُرض على الوزارة
وأقرته :
”إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة مقام قومي في
فلسطين للشعب اليهودي.. وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية..
على أن يُفهم جليًّا بأنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية
والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين.. ولا
الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلدٍ آخر."
وسأكون ممتنًا إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علمًا بهذا التصريح.
المُخلص
آرثر جيمس بلفور
أن تعطِي أرضًا لا تملكها إلى شعب لا يستحقها.. كان هذا هو الوعد باختصار..
بعد أسابيع فتح "ماستيم" رسالة أخرى سرية.. مقدمة من أول صهيوني يصل
لمنصب وزير في بريطانيا يرسلها إلى مجلس الوزراء البريطاني..
"الوقت الحاضر ليس مناسبًا لإنشاء دولة يهودية مستقلة.. لذا يجب أن توضع
فلسطين بعد الحرب مباشرة تحت السيطرة البريطانية.. لتعطي تسهيلات
للمنظمات اليهودية لشراء الأراضي وإقامة المستعمرات وتنظيم الهجرة.
وعلينا أن نزرع بين المحمديين ثلاثة إلى أربعة ملايين يهودي أوروبي"
كانت رسالة حكيمة.. وقد تم تنفيذها بحذافيرها.. طلبت بريطانيا من فرنسا
تعديل اتفاقية "سايكس بيكو".. وأن تعطي فلسطين لبريطانيا بدلا من أن تكون

تحت سيطرة دولية.. وتم التعديل.. وبدأت بريطانيا تُعد جنودها لاحتلال فلسطين
عسكريا.. كان الجيش العثماني في فلسطين قوامه حوالي مئة ألف رجل يرأسه
رجل من جماعة الأتحاد والترقي.. رجل يدعى "مصطفى كمال أتاتورك".. وقد
جاءته الأوامر من قيادة الاتحاد والترقي بأن ينسحب مع كل جنوده من فلسطين
ويُخليها تمامًا.. وهذا ما فعل "أتاتورك".. انسحب بمئة ألف رجلٍ من فلسطين..
وهاهو "ماستيم" يحلق في الهواء ناظرًا إلى مشهد لم يره منذ سبعة قرون.
جيش بريطاني لا تدرك نهايته بعينك البشرية.. كأنه حزام طويل من الجنود يمتد
من الأفق إلى أرض فلسطين.. قائد هذا الحزام من البشر كان يدعى الجنرال
"أللينبي".. ومن ضمن هذا الجيش كان هناك فيلق يهودي مدرَّب على أعلى
مستوى.. بينه وجوه خبيثة لم يتعرف عليها "ماستيم" في البداية لكن التاريخ
يحفظ أسماءهم جيدًا.. كان من ضمن الوجوه في الفيلق اليهودي رجلٌ غزا
الصلع رأسه من المنتصف فترك جزيرتين من الشعر على الجانبين.. رجل يعرفه
التاريخ باسم "دافيد بن غوريون".. ورجل آخر هو "نحميا رابين".. والد "إسحق
رابين".. وآخرون ممن سيكون لهم شأن فيما بعد.. كان الجنرال "اللينبي" يدخل
مزهوًا وسط أهالي فلسطين الذين لا يدرون أين ذهب جيش الدولة العثمانية
بالضبط.. لكنهم كانوا سعداء بالبريطانيين مرحبين بهم.. فبالنسبة لهم كان
البريطانيون هم الملائكة الذين أتوا من بلادهم ليساعدوا فلسطين على
الاستقلال عن الدولة العثمانية التركية المغرورة.. لم تكن هذه فكرة عامة
الشعب فقط.. وإنما كانت فكرة الشيوخ والمفكرين وحتى المفتي العام
لفلسطين.. سمع "ماستيم" الجنرال "لألينبي" وهو ينظر إلى تلك األجواء قائلًا:
- اليوم انتهت الحروب الصليبية .
لم يكن الشيطان الأفعى "سيربنت" موجودًا.. لقد ترك فلسطين فجأة واتجه إلى
روسيا.. كانت الحكومة القيصرية الروسية تضطهد اليهود اضطهادًا شديدًا..

وذات مرة ذهب مندوب يهودي إلى وزير المالية الروسي وعرض عليه أن يتخلص
من كل اليهود الذين في بلاده بإرسالهم إلى فلسطين.. حينها قال له الروسي :
- إني أفضِّل أن أتخلص من اليهود فعلًا.. ولكن ليس بإرسالهم إلى
فلسطين.. وإنما بإغراقهم في البحر الأسود.
كان لابد من تهجير ذلك العدد الضخم من اليهود في روسيا إلى فلسطين بأي
طريقة من الطرق.. فدار "سيربنت" في أنحاء روسيا حتى أقام ثورة رهيبة.. ثورة
لو أردنا سرد وقائعها لاحتجنا إلى كتابٍ منفصل.. خبث ودهاء أوصل اليهود إلى
حكم روسيا بعد أن كانوا مضهَديها.. خبث لم تعرفه الأرض إلا في أماكن زحف
الأفعى اليهودية "سيربنت".. قامت الثورة الروسية وحكمت الشيوعية روسيا..
وكانت الحكومة الجديدة أغلبها يهود.. وأول قرار اتخذوه هو إرسال اليهود
إلى أرض الميعاد.. إلى فلسطين.
ضجَّ الشريف حسين وأرغى وأزبد.. ولكن بريطانيا حدثته وهدأته ونومته على
سريره الوثير.. فأعطت البنه حُكم العراق.. وأعطت البنه الآخر حُكم الأردن.. بدأ
"ماستيم" يراقب حياة اليهود في فلسطين بعد احتلال بريطانيا.. أصبحت اللغة
العِبرية لغة رسمية.. أصبح لهم محطات كهرباء مخصوصة لهم.. أصبحت
لهم وزارة للمياه ووزارة لألشغال.. ودخل الاقتصاديون اليهود ولعبوا ألاعيبهم
وفتحوا شركاتهم وأصبحوا يشغلون الفلسطينيين فيها.. ولكن بعد الهجرة
الكبيرة لليهود من روسيا بدأ الأهالي يضجون ويشعرون بالخطر.. وبدأت مالمح
توحي بالخطورة ترتسم على قناع "ماستيم".
على الجانب الآخر تم افتعال حرب زائفة بين الدولة العثمانية واليونان وتم صناعة
بطل زائف في الجرائد والمجلات. "مصطفى كمال أتاتورك".. بطل مدحه "أحمد
شوقي" قائلًا..
الله أكبر كم في الفتح من عجب.. يا خالد الترك جدد خالد العرب

وسمح التهليل والتطبيل في الجرائد والمجلات لهذا البطل الزائف أن يعلن نفسه
ذات يوم رئيسًا لدولة تركيا.. ويعلن سقوط الخلافة العثمانية إلى الأبد.. وفور أن
تسلَّم حُكم تركيا اندهش "ماستيم" من كم الأمور العجيبة التي قام بها.. نفى
كلمة إسلام تمامًا من دستور تركيا.. ونص أنها دولة علمانية ال دين لها.. حرَّم
لبس الحجاب على النساء.. ألغى الاحتفال بالعيدين.. منع المسلمين من أداء
فريضة الحج لسنوات.. أغلق عددًا ضخمًا من المساجد.. حول مسجد أيا صوفيا
العظيم إلى كنيسة.. منع الأذان باللغة العربية وجعله باللغة التركية.. ألغى
منصب المفتي.. أعدم 150عالمًا مسلمًا اعترضوا على هذه القوانين.. أجبر أئمة
المساجد على ارتداء القبعة الأوروبية بدلًا من العمامة الإسالمية.. ألغى التقويم
الهجري تمامًا.. ساوى بين الذكر والأنثى في الميراث.. ألغى من اسمه كلمة
مصطفى واكتفى بكلمة أتاتورك.. وفي النهاية أوصى عند موته بألا يُصلَّى
عليه.. ورغم أن هذه الأمور كلها أسعدت روح "ماستيم".. إلا أن الاندهاش لم
يستطع أن يفارق قناعه لمدة طويلة لكنه زال لما أوحى إليه "سيربنت" أن أتاتورك
قد ربته حاضنة يهودية.
ألف "أحمد شوقي" قصيدة طويلة ينعي فيها تركيا وينعي سقوط الخلافة
ويهاجم أتاتورك قائلًا:
بكت الصلاة وتلك فتنة عابث.. بالشرع عربيد القضاء وقاح
أفدى خزعبلة وقال ضلالة.. وأتى بكُفرٍ في البالد بواح
لا يمكنك أن تخدع كل الناس كل الوقت.. خرج مفتي فلسطين وكل المفكرين
الذين كانوا مؤيدين لالحتلال البريطاني لفلسطين في مظاهرات حاشدة سلمية
عديدة معارضين.. لكن "ماستيم" كان يطير فوق مظاهرة أخرى.. مظاهرة
حاشدة قام بها اليهود عند حائط البُراق للمطالبة ببناء الهيكل المزعوم..
منشدين نشيد الأمل.. أو كما يقولون "الهاتيكفا"..





  رد مع اقتباس