عرض مشاركة واحدة
قديم 12-23-2020, 03:44 PM   #56

افتراضي

المنازل فتنجر فلتقي حولها أشلاء عائلات كلماة كانت تختبيء وراء ذلك الدولاب
أو ذاك.
رأى جنودًا يمسكون برجل وامرأته فيصفعونه حتى يسقط أرضًا ويبطحون
زوجته على الأرض فيقعون عليها كما تقع البهائم وطفلتها الصغيرة لا تدري
أتنظر إلى أبيها الذي يلفظ نفسه الأخير أم إلى أمها التي تصرخ وكأن أحدهم
سوف يسمع صراخها.. سقط جزءٌ آخر من قناع "ماستيم".. الذي كان لا يزال
يتابع تلك المجزرة التي تحدث في هذه القرية في كل شعب من شعابها..
وهاهي العصابات اليهودية قد أوقفت عشرين شابًا من شباب القرية إلى جدار
يضعون عليه وجوههم وأكفهم.. ثم أفرغت طلقاتها في أجسادهم
فتساقطوا متكومين على بعضهم البعض.. وهاهم يحاصرون فرًان القرية
الذي كان قبل الفجر قد أشعل الفرن مجهَّزًا للخبز.. ولما دخلوا القرية بعد الفجر
حاصروه في فرنه.. ثم أمسكوا به وألقوا به إلى داخل فرنه ليحترق بالداخل حيًّا..
وهنا سقط قناع "ماستيم" وانكشفت الظلمة التي تختبىء وراءه.
لم يعد هناك قناع.. كانت رأسه جمجمة شيطانية ذات نظرة ساخرة تميز
الجماجم الشيطانية.. وعلى جبينه محفورة نجمة داوود.. وعباءته لازالت تتطاير..
وأصبح له صوت شيطاني صارخ يشبه أكثر ما يشبه أصوات صراخ الديناصورات
الكبيرة.. ثم طار إلى مشهدٍ آخر.. رأى فيه مجموعة من اليهود يمسكون
بمجموعة من النساء والأطفال فيلقونهم في أحد آبار القرية ويلقون عليهم
وقودًا ويشعلون فيه نارًا فتشب النار من فوهة البئر وتلقي بشررها حوله حتى
يتراجع الجميع واضعين أذرعهم على وجوههم.. ويبدو "ماستيم" من وراء
النار.. شيطان يهودي كما يجب أن تكون الشياطين.
وانتهت مذبحة دير ياسين بعد ثلاثة أيام.. قُتِلَ فيها ثلث سكان القرية.. وهرب
الباقين إلى القرى المجاورة.. وهرب سكان القرى المجاورة لما رأوهم إلى
القرى المجاورة.. وهرب أولئك بدورهم.. وأصبح الفلسطينيون يهربون من


قراهم خوفًا من العصابات اليهودية.. وترددت صرخة "ماستيم" الشيطانية في
الأجواء.
كان مشهد الأهالي الفلسطينيين محزنًا جدًّا وهم يغادرون قراهم في طابور
طويل بعضهم مشيًا على الأقدام يحملون متاعهم وبعضهم على شاحنات
يحملون فوقها أثاثهم وألحفتهم وأمتعتهم.. يسافرون إلى حيث لا يدرون
لأنفسهم مسكنًا ولا مأوى.. والأكثر حزنًا أن ترى "ماستيم" وجمجمته الشيطانية
الساخرة تنظر إلى هذا كله.. وأظفاره الطويلة تتحرك بالتتالي تعبيرًا عن السعادة
الجمة.. فهؤلاء يتركون ديارهم وأرضهم ليعيش فيها يهود.. يهود قدموا
من كافة أنحاء العالم.. يهود طردهم كل العالم.. وحُكم على هؤلاء
الفلسطينيين وحدهم أن يدفعوا الثمن.
بدأ اليهود ينظرون إلى يافا.. ويعدون العدة لاقتحامها وطرد أهلها كما فعلوا
مع بقية المدن.. وكان من قوَّاد جيش الهاجانا رجل يدعى "موشي ديان".. رجل
ذو عصابة سوداء على عينه اليسرى.. وكان يستعد لاقتحام يافا بخطة متميزة..
لكن "ماستيم" ترك هذه الاستعدادات وطار ليشاهد أمرًا لفت نظره.. كانت
هناك فتاة فاتنة تجاهد لعبور الأسلاك الشائكة التي تفصل بين المنطقتين
العربية والصهيونية.. كان "ماستيم" يتابع تلك الفتاة وهي خارجة من بيتها في
مستعمرة بيتام جنوبي يافا.. حيث توجهت متسللة بحرص على ألا يراها أحد حتى
وصلت إلى الأسلاك الشائكة الموضوعة بطريقة معقَّدة.. وقد تمكنت بعد عناء
من اجتياز الأسلاك بعد أن جرحت ساقها جرحًا بليغًا جدًّا.. وجرت نفسها جرًّا
داخلة إلى يافا في وقت يسبق أذان الفجر بحوالي ساعة.. الغريب أنها كانت
تمشي وهي تعرف تحديدًا إلى أين تذهب.. ولم يمضِ وقتٌ طويل إلا وهي واقفة
أمام أحد المنازل تدق بابها وساقها تنزف من تحتها ولم تعد قادة على حملها.
ما لفت نظر "ماستيم" هو أن هذه الفتاة الفاتنة كانت هي "راشيل ديان" ابنة أخ
"موشي ديان".. وبدت ملامح جمجمته الشيطانية متوجسة شرًّا.. فُتِح باب المنزل

الذي كانت تقف أمامه "راشيل".. لتبدو من داخل المنزل فتاة جميلة أخرى.. ما إن
رأت "راشيل" حتى انكبت عليها تحتضنها وتصرخ فيها سائلة عما حلَّ بها.. ثم
أدخلتها.. كانت تلك الفتاة الأخرى فتاة فلسطينية تدعى "مهيبة خورشيد"..
إحدى الناشطات السياسيات الفلسطينيات.. وكانت قد انعقدت بينها وبين "راشيل"
صداقة عجيبة.. فبرغم أن "راشيل" يهودية إلا أنها ترفض الصهيونية رفضًا
قاطعًا وترفض توجهاتها.. ويبدو أن قُرب "راشيل" من "موشي ديان" قد جعلها
تطلع على خطة الهاجانا لاقتحام يافا.. ويبدو أنها خاطرت بنفسها وجاءت إلى
"مهيبة" لتحذرها من هذا الاقتحام حتى يأخذ أهل يافا حذرهم.
كانت ملامح "ماستيم" تبدو غاضبة جدًّا.. كان يعتبر ما تفعله "راشيل" هو خيانة..
لكن ما فاجأه حقًّا هو ما حدث في اليوم التالي.. أثناء اقتحام العصابات
الإسرائيلية ليافا.. نظر "ماستيم" غير مصدق ما يراه بمحجري عينيه العظميتين..
لقد كانت هناك فرقة مسلَّحة.. فرقة مسلَّحة نسائية فلسطينية.. فرقة نسائية
ترأسها "مهيبة خورشيد".. التي بدت وكأنها فارسة أسطورية وهي تحمل
مدفعًا رشاشًا وتضع على رأسها حجابًا وترتدي ملابس شِبه عسكرية.. ووراءها
فرقة نسائية مسلحة.
نسى "ماستيم" ما يحدث في يافا وظل يتابع تلك الفرقة التي كانت تحارب
الهاجانا فعليًّا بكل قوتها.. لكنه أسقط في يده لما رأى "راشيل ديان" تخرج من
المنزل ببندقية في يدها وتنقذ إحدى المسلحات من الفرقة في اللحظة الأخيرة..
وأصبحت "راشيل" ومهيبة في الميدان كتفًا إلى كتف.. إحداهما مسلمة..
والأخرى يهودية.. يحاربان قوات صهيون.. ويبدو أنهما قد أبديا بسالة في هذه
الحرب أبقتهما على قيد الحياة حتى بعد أن تم احتلال يافا وطرد أهلها.. كانت
"راشيل" تخرج من البلدة إلى جانب صاحبتها "مهيبة" وقد وضعت "راشيل حجابًا
على رأسها كنوع من التنكر حتى لا يعرفها قومها.

وجاء اليوم الذي بدأت القوات البريطانية تخرج في طابور عسكري طويل من
فلسطين.. يشابه ذلك الطابور الذي دخلوا به إلى فلسطين أول مرة.. كانوا
خارجين منها بعد أن وضعوا شعبًا مكان شعب.. وأعزوا شعبًا وأذلوا شعبًا.. وبعد
خروجهم بدقائق فقط كان هناك احتفال صهيوني ما.. وصعد "ديفيد بن
غوريون" على المنصة وأخذ يقرأ على الناس بيان قيام دولة إسرائيل.. أو كما
يسمونه بيان الاستقلال.. والعجيب أنه لم يكن لهم وجود أصلًا في الدولة حتى
يستقلوا عنها.. كان "ماستيم" طائرًا فوق رأس "بن غوريون تمامًا.. وكان يبدو
واقفًا في الهواء بشموخ مربعًا يديه في مظهر قوي وعباءته تظلل على كل
حاضري الحفل.. وكان يستمع إلى بيان "بن غوريون" وهو يقول:
"لقد نشأ الشعب اليهودي في أرض فلسطين.. وفيها أقام دولة ذات سيادة..
وقد تم إجلاؤه عنها في ذات يوم مشؤوم.. لكن الشعب اليهودي لم ينسَ وهو
في مُهاجره أمل العودة إلى بلاده.. ولهذا بدأ الشعب اليهودي في العودة باآلاف
المؤلَّفة إلى أرض الميعاد.. أرضه التي طُرد منها قديمًا.. وها نحن الآن.. تلبية
لنداء المرحوم العظيم تيودور هرتزل صاحب فكرة الدولة اليهودية.. نقف هنا
ونعلن استقلالنا بدولة قائمة بذاتها ولغتها وجيشها"
"إن محرقة هتلر النازية التي حلَّت باليهود في الفترة الأخيرة والتي راح ضحيتها
الملايين من يهود أوروبا قد أثبتت للعالم ضرورة حل مشكلة الشعب اليهودي
المحروم من الوطن والأستقلال.. ولقد أعلنت الأمم المتحدة قرار إنشاء دولة
مستقلة لليهود على هذه الأرض.. واليوم نحن نعلن انتهاء اﻹنتداب البريطاني
وبحكم حقنا الطبيعي والتاريخي فنحن اليوم نعلن عن قيام دولة يهودية في
أرض إسرائيل.. وأن هذه الدولة اسمها إسرائيل.. وإننا نناشد الأمم المتحدة قبول
دولة إسرائيل في أسرة الأمم المتحدة"
تـمَّت
****





  رد مع اقتباس