مواقيت الصلوات
الْفَرْعُ الثَّانِي: وَقْتُ صَلَاةِ الْعَصْرِ
وَهَذَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ: (وَيَلِيه وَقْتُ الْعَصْرِ إِلَى مَصِيرِ الْفَيْءِ مِثْلَيْهِ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَالضَّرُورَةُ إِلَى غُرُوبِهَا، وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا). أَي: وَيَلِيْ وَقْتَ الظُّهْرِ: وَقْتُ الْعَصْرِ.
وَالْكَلَامُ هُنَا فِي مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الأُوْلَى: هَلْ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَاصِلٌ أَوِ اشْتِرَاكٌ؟
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَيَلِيهِ). أَي: وَيْلِي وَقْتَ الظُّهْرِ وَقْتُ الْعَصْر مُبَاشَرَةً؛ فَيَبْدَأ وَقْتُ الْعَصْرِ مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ، وَذَلِك إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُبَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ.
وَهُنَا مَسْأَلتَانِ:
الْأَوْلَى: هَلْ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ فَاصِلٌ؟
فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِينِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْر وَوَقْتِ الْعَصْرِ فَاصِلٌ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ[1].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أنَّ هُنَاكَ فَاصِلًا بَيْنَ الْوَقْتَيْنِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ[2].
الثَّانِيةُ: هَلْ بَيْنَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَقْتٌ مُشْتَرَكٌ؟
فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى قَوْلِينِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَيْس بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ[3].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أنَّ هُنَاكَ وَقْتًا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِقَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ.
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْلُ بَعْضِ الْحَنَابِلَةِ[4].
وَالصَّحِيحُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ: أنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ يَلِي وَقْتَ الظُّهْرِ مِنْ غَيْرِ انْفِصَالٍ وَلَا اشْتِرَاكٍ؛ فَإِذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ: دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: وَقْتُ انْتِهَاءِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لِصَلَاة الْعَصْرِ:
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (إِلَى مَصِيرِ الْفَيْءِ مِثْلَيْهِ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَال). أَيْ: أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ يَنْتَهِي إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ، وَهَذَا مَا قرَّرَهُ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله.
وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ عَلَى قَوْلِينِ:
الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ: يَنْتَهِي إِذَا صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ بَعْدَ فَيْءِ الزَّوَالِ.
وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ، وَهُوَ قَوْل جُمْهُور الْعُلَمَاء [5].
وَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَغَيْرُهُمَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ؛ فَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ: صَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ كُلُّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَقَال: الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ»[6].
الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْوَقْتَ الْمُخْتَارَ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ: يَسْتَمِرُّ مَا لَمْ تَصْفَرُّ الشَّمْسُ.
وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنِ الْإِمَامِِ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا الْمُوَفَّقُ، وَالشَّارِحُ، وَالْمَجْدُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ[7].
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: «وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ»[8]، وَهَذَا الْحَدِيثُ مُتَأخِّرٌ عَنِ الْأَوَّلِ؛ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: وَقْتُ الضَّرُورَةِ لِصَلَاةِ الْعَصْرِ:
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَالضَّرُورَةُ إِلَى غُرُوبِهَا). أَي: أَنَّ وَقْتَ الضَّرُورَةِ يَكُونُ إِذَا اصفرَّتِ الشَّمْسُ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ؛ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: «وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ»[9].
فَإِذَا صَلَّى الْإِنْسَانُ الْعَصْرَ فِي هَذَا الْوَقْتِ؛ فَلَهُ حَالَتَانِ[10]: الْحَالَةُ الأُوْلَى: أَنْ يَكُونَ مُتَعَمِّدًا، وَهَذَا يَكُونُ قَدْ أَدْرَكَ الْوَقْتَ مَعَ الْإِثْمِ؛ لِقَوْلِهِ علبه الصلاة والسلام: «تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِ، يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيِ الشَّيْطَانِ، قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا، لَا يَذْكُرُ اللهَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا»[11].
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ نَاسِيًا أَوْ نَائِمًا، وَهَذَا يَكُونُ قَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ، وَصَلَّاهَا أَدَاءً.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: مَشْرُوعِيَّةُ تَعْجِيلِ صَلَاةِ الْعَصْرِ:
وَهَذِهِ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ: (وَيَسُنُّ تَعْجِيلُهَا). وَهَذَا لِعُمُومِ الأدِلَّةِ.
وَمِنْ أَدِلَّتِهِمْ:
• مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ... - وَفِيَهِ - ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ»[12].
• ولِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ رضي الله عنه: أَنَّهُ سُئِلَ: «كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي المَكْتُوبَةَ؟... - وَفِيَهِ - وَيُصَلِّي العَصْرَ، ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى أَهْلِهِ فِي أَقْصَى المَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ»[13]، أَي: بَيْضَاءَ، قَوِيَّةَ الْحَرَارَةِ.
فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ: مَا يَدَلُّ عَلَى الْمُسَارَعَةِ بِالْعَصْرِ، وَأَنَّهُ يُسَنُّ تَعْجِيلُهَا.